فسلهم كيف يغفر الله تعالى لعبد لقي الله وفي عنقه مثل دماء المسلمين من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وجميع بني آدم كل بر منهم وفاجر؟ [و]لم يتب إلى الله تعالى، ولم يزدد إلا فسادا في الأرض وسفكا للدم، فكيف يرضى الله تعالى عمن أسخطه واستغنى عنه، فإن الله الغني عن العباد وهم الفقراء وهو الغني الحميد.
فسل أهل البدع والباطل عن ابني آدم: من أهل الدعوة كانا أو مشركين؟ فإن زعموا أنهما من أهل الدعوة فقد صدقوا. وإن زعموا أنهما مشركان فقد كذبوا. وتصديق ذلك أنهما قربا قربانا لله فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر، ولم يكن آدم صلى الله عليه ليأمر ابنيه الذين خرجا من صلبه أن يكونا على غير ملته، ولم يكن إبليس نصب وثنا يومئذ دون الرحمن، إنما نصب إبليس الأوثان للناس بعد ما كثر الناس ومات العلماء منهم، فخدعهم إبليس لعنه الله عن أنفسهم، ولم يجعل سبحانه ابن آدم - حين قتل أخاه - من أهل النار بالشرك، ولكنه أضله بقتله أخاه ليكون للسعيد موعظة.
وسلهم هل يشهدون أن ابن آدم الذي قتل أخاه من أهل النار؟ فإن قالوا: نعم. فقد صدقوا. وإن قالوا: لا ندري. شكوا في قول الله تعالى. لا يدرون هل ينجز الله وعده أم لا؟ فأي أرض أو سماء تسع رجلا يشهد على ابن آدم الذي اصطفاه الله على خلقه، وسجدت له الملائكة كلهم أجمعون، أنه من أهل النار، ولا يشهدون على أخوين يدعيان الإسلام من أهل زمانهم هذا، لعل أبويهما كانا يدعيان الإسلام، أو كانا يهوديين أو نصرانيين أو مجوسيين، قتل أحدهما أخاه؟! فسلهم عنهما ألا يشهدون أن القاتل في النار؟
وقضاء الله جل وعلا في العباد واحد، ما نهى من قبلنا عن ذنب - أوجب لمن عمل به النار؛ فعملوا به فأدخلهم به النار - إلا عذب من عمل منا بذنب قد نهى الله عنه، فأوجب الله لمن عمل به النار.
Página 21