وقد كان الإجماع في العصر الأول سهل الحصول لأن عمر في اخلافته منع الصحابة أن يخرجوا من المدينة لتمكنه مشاورتهم فيما يحدث من أمور العلم أو السياسة، ولكنهم تفرقوا بعد ذلك أواخر خلافة عثمان في الأمصار(1)، ونشأ على أيديهم علماء وفقهاء في أماكن متنائية في الحجاز واليمن ومصر والعراق والشام وغيرها؛ فلم يمكن بعد ذلك تحقق إجماع امن المجتهدين لانقطاع إمكان الشورى العلمية العامة، ولأن اتفاق علماء بلدا واحد على حكم لا يعتبر إجماعا.
لذلك كانت كل المسائل المستندة إلى الإجماع وحده إنما يرجع تاريخها إلى عصر الخلفاء الراشدين أو الصدر الأول منه .
المبحث الرابع: القياس
/3 - القياس هو : إلحاق أمر بآخر في الحكم الشرعي لاتحاد بينهما في العلة.
والقياس يأتي في المرتبة الرابعة بعد الكتاب والسنة والإجماع من حيث حجيته في إثبات الأحكام الفقهية، ولكنه أعظم أثرا من الإجماع في كثرة ما يرجع إليه من أحكام الفقه ، لأن مسائل الإجماع محصورة ولم يتأت فيها زيادة، لانصراف علماء المسلمين في مختلف الأقطار عن مبدأ الشورى العلمية العامة، ولتعذر تحققه بمعناه الكامل فيما بعد العصر الأول كما أوضحناه. أما القياس فلا يشترط فيه اتفاق كلمة العلماء، بل كل مجتهد يقيس بنظره الخاص في كل حادثة لا نص عليها في الكتاب أو السنة ولا أجماع عليها.
ولا يخفى أن نصوص الكتاب والسنة محدودة متناهية، والحوادث الواقعة والمتوقعة غير متناهية. فلا سبيل إلى إعطاء الحوادث والمعامات
كلية الشريعة الإسلامية بالأزهر، (ص/96 و 137).
Página 78