فقد ورد فيه الأمر مثلا بالصلاة والزكاة مجملا، ولم يفصل فيهما كيفية ولا مقادير، بل فصلتهما السنة بقول الرسول عليه السلام وفعله.
وكذلك أمر القرآن بالوفاء بالعقود، ونص على حل البيع وحرمة الربا اجمالا، ولكن لم يبين ما هي العقود والعهود الصحيحة المحللة التي يجب الوفاء بها، وما الباطلة أو الفاسدة التي ليست محلا للوفاء؟ فتكفلت السنة ايضا ببيان أسس هذا التمييز. على أن القرآن قد تناول تفصيل جزئيات الأحكام في بعض المواضع أو المواضيع: كما في المواريث. وكيفية اللعان بين الزوجين، وبعض الحدود العقابية، والنساء المحارم في النكاح.
ولهذا الإجمال في نصوص القرآن مزية هامة أخرى بالنسبة إلى أحكام المعاملات المدنية، والنظم السياسية والاجتماعية، فإنه يساعد على فهم تلك النصوص المجملة وتطبيقها بصور مختلفة يحتملها النص، فيكون باتساعه قابلا لمجاراة المصالح الزمنية، وتنزيل حكمه على مقتضياتها بما لا يخرج عن أسس الشريعة ومقاصدها.
وذلك كما ورد في القرآن من النص على الشورى السياسية دون تعيين شكل خاص لها ، فكانت شاملة لكل نظام حكومي يجتنب فيه الاستبداد ، ويتحقق فيه تشاور واحترام صحيح لرأي أولي الرأي والعلم في الأمة، سواءا أكان نظاما جمهوريا، أو نظام خلافة دستورية، أو غير ذلك مما لا استيثار فيه لفرد أو لفئة، بحسب ما تمليه المصلحة العامة.
وكذلك أوجب القرآن إقامة العدل وإحقاق الحق بين الناس بنصوص عامة كثيرة، ولم يحدد طريقة القضاء الذي هو الأداة لذلك. فمن حيث العدد يمكن أن تكون المحاكم محاكم فرد أو محاكم جماعة، ومن حيث الدرجة يمكن أن يكون القضاء على درجة واحدة أو على عدة درجات (ر: ف 11/5).
Página 73