بسبب التقادم، أي مرور الزمان على الحق المدعى به ، وكان الحق لا يزال في ذمته، فإن القضاء في أمثال ذلك - وإن اعتبر نافذا من الوجهة المدنية عملا بالظاهر ضرورة - لا يحل حراما ولا يحرم حلالا، لأن الجل والحرمة يجب أن يكونا مستندين إلى سبب صحيح في نظر الشرع وفقهه .
والأصل في ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام: "إنما أنا بشر ، وإنكم لتختصمون إلي، وعسى أن يكون بعضكم ألحن بحجته من الآخر فأقضي له على نحو مما أسمع؛ فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار فليأخذها أو ليتركها"(1) .
فالقضاء في مثل هذا متى استوفى شرائطه، وبذل الحاكم جهده هو قضاء حق، لكن المقضي به ليس بحق، وتبعته الدينية على المقضي له المبطل.
/2- حكم القضاء وحكم الديانة: وعن هذا كانت أحكام المعاملات في الفقه الإسلامي ذات اعتبارين : اعتبار قضائي، واعتبار دياني فالقضاء يحاكم العمل أو الحق بحسب الظاهر، أما الديانة فإنما تحكم بحسب الحقيقة والواقع. فالأمر أوالعمل الواحد قد يختلف حكمه في القضاء عنه في الديانة.
فمن طلق زوجته مخطئا بأن جرى على لسانه لفظ الطلاق غير قاصد إليه، بل إلى لفظ آخر، يعتبر الطلاق منه واقعا قضاء، أي يقضي القاضي بوقوعه عملا بالظاهر، ولكنه لا يقع ديانة، فيفتيه المفتي بجواز بقائه مع امرأته فتوى معلقة على ذمته في زعم الخطأ
(1) اخرجه البخاري : كتاب الحيل (6967) وانظر منه (2458)، ومسلم : كتاب الاقضية : 337 (41)، ومعنى "ألحن بحجته" قال في "النهاية" 4: 241 "... أراد: أن بعضكم يكون أعرف بالحجة وأفطن لها من غيره4.
Página 67