وكذلك لو أبرأ أحذ مدينه ولم يخبره، ثم ادعى عليه بالدين وكتم ابراءه وقضي له به، فإن له التنفيذ والاستيفاء قضاء لا ديانة.
وبناء على ذلك اختلفت في الأوضاع والترتيبات الشرعية مهمة القضاء عن مهمة الافتاء، أي وظيفة القاضي عن وظيفة المفتي: فالقاضي يجري على الاعتبار القضائي للأعمال والأحكام، ولا ينظر إلى الاعتبار الدياني.
أما المفتي فيبحث عن الواقع وينظر إلى الاعتبارين، فإن اختلف اتجاههما أفتى الإنسان بالاعتبار الدياني .
ومن ثم يذكر الفقهاء في كثير من المسائل التي يصورونها أن الحكم فيها قضاء كذا، وديانة بعكسه؛ كمن كان له دين جحده المدين وعجز الدائن عن إثباته أمام القضاء، ثم ظفر بمال للمدين: فإن الديانة تقر للدائن أن يأخذ منه قدر حقه دون إذن المدين أو علمه. ولكن لو وصل الأمر إلى القضاء لا يقر له هذا الأخذ لعدم إثبات حقه.
رر: رد المحتار في كتاب القضاء 315/4، وفي كتاب الحجر5/ ، وفي الحظر والاباحة 271/5).
وبهذه المناسبة نقول: إن الوازع الديني في صيانة الحقوق مهما ابتعدت عنه الأمم في نزعتها المادية بنظامها الاجتماعي اليوم فقد اضطرت اليه في تشريعها القانوني الوضعي المحض، وبنت عليه نواحي من قضائها لم تستطع فيها إلا الالتجاء إلى الضمانة الدينية والوجدان الروحي . ويتجلى ذلك في تحليفهم الخصم اليمين عند عجز المدعي عن إثبات دعواه، وعند تذرع المدعى عليه وتمسكه بالتقادم التجاري القصير على سند مالي تجاري يدعى عليه به.
Página 68