قصة الرقم 4
لو إننا سألنا عن السمة الغالبة للتفكير في القرون الوسطى لكان الجواب إنها السمة الغيبية.
ومعنى ذلك أن المؤلف كان ينظر للأشياء نظرا غيبيا لا يبرره العقل، وإنما تبرره العقائد، أي: إنه كان يرى أو يشعر بقوة خلف الظواهر الطبيعية، وهذه القوة لا تنزل على أصول العقل، فالنظر الغيبي يقتضي الإيمان بالسحر والشياطين وحساب الجمل والتنجيم، وهذه كلها نراها واضحة عند جميع المؤلفين الذين كتبوا في القرون المظلمة.
ولكن هذه السمة تستتبع سمات أخرى منها، إننا نعدم الثقافة المنظمة، ونجد بدلا منها معارف ليست لها غاية أو هدف، ومنها أن المؤلف، وإنما هو يبغي خدمة الكنيسة، يتجه بتأليفه نحو خدمة الشعب، ومنها العناية بالسلف والشعور بأن النقص الذي نراه في العالم سواء في الأخلاق أو الحكومة أو غيرها إنما هو فساد حاضر حديث بعد اصلاح سابق، وأن السبيل إلى معالجته تقتصر على الرجوع إلى طريق السلف دون التفكير في ابتكار طريقة جديدة للمستقبل.
ويجب أن نقول: إننا نحن أنفسنا لم نتخلص إلى الآن من هذا النظر الغيبي كل التخلص، والكتب العربية القديمة وبعض الحديثة تنظر هذا النظر في كثير من النواحي.
وإذا نظرنا نظرة عاجلة في كتاب «حياة الحيوان» للدميري وجدنا أن هذا الموضوع العلمي، أي: الحيوان، ينظر إليه المؤلف نظرة غيبية، ونجد فيه هذه السمات: (1)
أنه يتكلم أحيانا عن السحر والعفاريت كأنها حقائق ملموسة. (2)
أنه ينظر إلى السلف كأنهم المثل الأعلى، ويعتمد في معارفه على رواية الكتب القديمة. (3)
أنه يرى أن الغاية الوحيدة للمعارف هي خدمة الدين، ولذلك لا ينسى عندما يتكلم عن البرغوث أو الصرصور أن يقول هل أكلهما حلال أو حرام؟ (4)
أن المعرفة عنده ليست ثقافة يقصد منها إلى غاية معينة، وإنما هي حقائق تحتشد في ذهنه بلا نظام أو قصد، حتى لقد أدمج في حياة الحيوان تراجم الخلفاء وتكلم فيه عن الطب، والشريعة، والصرف، والنحو، والفلك.
Página desconocida