ومما يلفت النظر في الخزانة أيضا ما نراه من الإطالة في الشرح. والتي قد تصل إلى حد الملل أحيانا، وإن كان ابن حجة أيضا يتحاشى الوقوع فيها فيقول: "ولولا الإطالة لأفعمت الأذواق من هذا السكر النباتي". وإن كان يبرر تطويله بمثل قوله: "فإن الشرح قد طال، ولم أطله إلا ليزداد الطالب إيضاحا، ويداوي علل فهمه بحكم المتقدمين، ويتنزه في رياض الأدب على النبات الغض من نظم المتأخرين".
فإذا عرفنا أن الكتاب يحتوي ماية واثنين وأربعين نوعًا من أنواع البديع، وأن شرحه لنوع واحد، هو التورية، استغرق أكثر من ربع الكتاب، عرفنا مدى ما وصلت إليه الإطالة والاستطراد عند ابن حجة في "خزانته".
بعد الإطالة والاستطراد، يطالعنا ابن حجة في كتابه بالتكرار، فنراه يكرر البيت أو الأبيات أكثر من مرة، ربما حسب ما يقتضيه الاستشهاد على النوع البديعي بأبيات يمكن الاستشهاد بها على أنواع أخرى، وأكثر ما يبرز هذا التكرار في إيراده لما أخذه جمال الدين بن نباتة عن علاء الدين الوداعي.
ورغم أن ابن حجة يبدو من خلال "خزانة الأدب" واسع الاطلاع، مع ما تقتضيه هذه الصفة من صقل ملكة النقد الأدبي عنده، فإنه يبدو ناقدًا تعوزه الدقة ووضوح المقياس النقدي.
فقد نراه، في أحيان كثيرة، يطلق أحكامًا تنقصها الدقة والصوابية، أو دون تعليل في كثير من الأحايين، وإن كانت له في أحيان أخرى، أحكام نقدية معللة لا تجانب الصواب؛ فإن له أيضا أحكاما خاطئة، وأخرى يتابع فيها غيره، دون روية أو إعمال فكر.
فهو في معرض تعليقه على استهلال محي الدين بن عبد الظاهر، كاتب الملك الظاهر إلى الأمير سنقر الفراقاني، يقول: "الله أكبر! إن من البلاغة لسحرًا، والله ما أظن هذا الاتفاق الغريب اتفق لناثر". دون أن يذكر ابن حجة سبب إعجابه وهيامه بهذا الاستهلال.
وكذلك نراه يفعل عندما يستحسن قول آخر. إذ يقول: "سبحان المانح! هذا الأديب الذي لم ينسج الأوائل على منواله. ولا تتعلق الأفاضل من المتأخرين بغبار أذياله".
أو نراه يقول: "سبحان المانح! والله من لا يتعلم الأدب من هنا فهو من المحجوبين عن إدراكه". لماذا؟ وما هو المقياس؟ فإن ابن حجة لا يفصح عن شيء من ذلك.
1 / 11