ولكن ابن حجة في معرض انتقاده لابن رشيق القيرواني، والحاتمي في كلامهما على الجناس الملفق، نراه بعلل نقده ذاك فيقول: "ولعمري لو سموا الملفق مركبا، والمركب ملفقا، لكان أقرب إلى المطابقة في التسمية؛ لأن الملفق مركب في الركنين، والمركب ركن واحد، كلمة مقررة، والثاني مركب من كلمتين، وهذا هو التلفيق".
كما أننا نراه، في معرض نقده لبيتين أخذهما الشيخ صلاح الدين الصفدي عن ابن نباتة، يقول معللًا: "وما أظن الشيخ صلاح الدين، غفر الله له، لما سمع ما قاله الشيخ جمال الدين، ونظم بعده هذين البيتين، كان في حيز الاعتدال. وأين انجذاب القوس إلى الحاجب، من انجذاب الدم إلى الخد"؟
وقد يستلطف ابن حجة في خزانته ما لا سبيل إلى استلطافه، فيذكر أن "من لطائف" مجون ابن تميم قوله:
غطت محاسن وجهها عن ناظري ... هيفاء لم أر في البرية شبهها
وغدت تمانعني فقمت مبادرًا ... وكشفت من بعد التمنع وجهها
ترى! أي لطافة في هذين البيتين؟ إذا كانت اللطافة الأدبية تعني نكتة بديعية تعشقها الآذان، أو صورة بيانية تهيم بها النفوس؛ اللهم إلا أن يكون المجون مدعاة للاستلطاف! أو يكون أحد استلطف هذا المجون لانحراف في ذوقه الأدبي، فتابعه ابن حجة مستلطفًا على عادته، دون تدبر ولا روية أو إعمال فكر، كما فعل غير مرة حيث يبدو ذلك من قوله: "وعدوا من البديع قول فلان.... وعدوا من الحسن قول فلان.... وعدوا من اللطيف قول فلان" إلى آخر هذه المعزوفة، دون إبداء رأيه الشخصي.
ليس هذا فحسب، بل إن ابن حجة يخطئ حين يذكر أنه "تقرر وتكرر أن تشبيه المحسوس بالمحسوس هو المقدم في باب التشبيه" إذا عرفنا أن المقرر: أن أبلغ التشبيه هو تشبيه المعقول بالمحسوس، أو إخراج ما لا يحس إلى ما يدرك بالحواس.
وأخيرًا وليس آخرًا. فإننا نأخذ على الشيخ ابن حجة انحيازه في الحكم أثناء تحكيمه بين الشيخين، صفي الدين الحلي وجمال الدين ابن نباتة، إذ يقول:
تصفحت ديوان الصفي فلم أجد ... لديه من السحر الحلال مرامي
فقلت لقلبي دونك ابن نباتة ... ولا تتبع الحلي فهو حرامي
وكذلك نأخذ عليه تحامله على المتنبي الشاعر، وجوره عليه وغمطه حقه، خاصة وأنه هو نفسه، أعني ابن حجة، أخذ على الشيخ صلاح الدين الصفدي وعجب منه
1 / 12