والقصيدة كلها تحف وطرف، وعارضها ابن نباتة، فما حلا معها مكرر نباته، وأجرى الصفي معها ينابيع فكره، فما صفا له معها مورد، وجاراها الصفدي فتصفدت١ سوابق قافية عن لحاقها، ومنها:
وروضة وجنات الورد قد خجلت ... فيها ضحى وعيون النرجس انفتحت٢
تشاجر الطير في أفنانها سحرًا ... ومالت القضب للتعنيق فاصطلحت٣
والقطر قد رش نوب الدوح حين رأى ... مجامر الزهر في أذياله نفحت٤
ومما يحسن نظامه في هذا السلك قوله:
رنا وانثنى كالسيف والصعدة السمرا ... فما أكثر القتلى وما أرخص الأسرى٥
ومما اختاره الشيخ جمال الدين بن نباتة، ﵀، من ديوان أبي الفتوح نصر الله بن قلاقس، وهو حسن في هذا الباب، قوله:
كم مقلة للشقيق الغض رمداء ... إنسانها سابح في بحر أنداء٦
وقوله:
قفا واسألا مني زفيرا وأدمعا ... أكانا لهم إلا مصيفًا ومربعا
وهو من الغايات التي اختارها الشيخ جمال الدين بن نباتة، من شعر ابن قلاقس، فإنه قال: طالعت ديوان الأديب البارع، أبي الفتوح نصر الله بن قلاقس، فطالعت الفن الغريب وفتح علي بتأمل ألفاظه فتلوت: ﴿نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ﴾ . بيد أني وجدت له حسنات تبهر العقول فضلًا وسيئات يكاد بذكرها ابن قلاقس يقلي٧. انتهى كلام الشيخ جمال الدين بن نباتة.
ومما وقع في تناسب القسمين إلى الغاية، قول الشيخ ظهير الدين بن البارزي ﵀، وهو:
_________
١ تصفدت: كُبلت بالأصفاد والقيود.
٢ وجنات: جمع مفرده وجنة وهي كرسي الخد.
٣ أفنان: جمع مفرده فنن وهو الغصن - سحرًا: أي وقت السحر قبيل الفجر.
٤ مجامر: جمع مفرده مجمرة وهي وعاء يوضع فيه البخور.
٥ رنا: نظر - انثنى: عاد ورجع - الصعدة: القناة المستوية التي لا تحتاج إلى تثقيف.
٦ الشقيق: الأزهار المعروفة بشقائق النعمان، لونها أحمر قان. والغصن: الطري - رمداء: أصابها الرمد وهو مرض يصيب العيون. إنسانها: إنسان العين: البؤبؤ.
٧ يقلي: يبغض ويُهجَر.
1 / 25