في حسن الابتداء وبراعة الاستهلال:
حسن الابتداء عند المتقدمين:
لي في ابتداء مدحكم يا عُرب ذي سلم ... براعة تستهل الدمع في العلم
اعلم أنه اتفق علماء البديع، على أن براعة المطلع عبارة عن طلوع أهلة١ المعاني واضحة في استهلالها، وأن لا يتجافى بجنوب الألفاظ عن مضاجع الرقة، وأن يكون التشبيب بنسبها مرقصا عند السماع، وطرق السهولة متكفلة لها بالسلامة من تجشم الحزن٢ ومطلعها، مع اجتناب الحشو، ليس له تعلق بما بعده. وشرطوا أن يجتهد الناظم في تناسب قسميه، بحيث لا يكون شطره الأول أجنبيا من شطره الثاني.
وقد سمى ابن المعتز براعة الاستهلال، حسن الابتداء، وفي هذه التسمة تنبيه على تحسين المطالع، وإن أخل الناظم بهذه الشروط لم يأت بشيء من حسن الابتداء، وأورد في هذا الباب قول النابغة:
كليني لهمٍ يا أميمة ناصب ... وليل أقاسيه بطيء الكواكب٣
قال زكي الدين بن أبي الأصبع: لعمري لقد أحسن ابن المعتز الاختيار، فإني أظنه نظر بين هذا الابتداء وبين ابتداء امرئ القيس، حيث قال:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللوى بين الدخول فحومل٤
_________
١ أهلة المعاني: بداياتها
٢ الحزن: من الأرض الوعر، ومن الكلام الغريب المعقد.
٣ ناصب: متعب.
٤ سقط اللوى الدخول وحومل: أسماء أماكن في الصحراء.
1 / 19