فرأى ابتداء امرئ القس، على تقدمه وكثرة معانيه، متفاوت القسمين جدًّا لأن صدر البيت جمع بين عذوبة اللفظ وسهولة السبك وكثرة المعاني، وليس في الشطر الثاني شيء من ذلك. وعلى هذا التقدير مطلع النابغة أفضل، من جهة ملايمة ألفاظه وتناسب النفوس، إلا الاقتصار على سماع صدر البيت؛ فإنه وقف واستوقف وبكى واستبكى وذكر الحبيب والمنزل في شطر بيت، وإذا تأمل الناقد البيت بكماله، ظهر له تفاوت القسمين.
وقال، أعني ابن أبي الأصبع: إذا وصلت إلى قول البحتري، من هذا الباب، وصلت إلى غاية لا تدرك، وهو قوله:
بودّي لو يهوى العذول ويعشقُ ... ليعلم أسباب الهوى كيف تعلق
انتهى كلام زكي الدين بن أبي الأصبع.
ولقد أحسن أبو الطيب المتنبي حيث قال:
أتراها لكثرة العشاق ... تحسب الدمع خلقة في المآقي
ومثله قوله، "أي قول حبيب":
حشاشة نفس ودّعت يوم ودعوا ... فلم أدر أي الظاعنين أشيع١
وما ألطف قول أبي تمام في هذا الباب:
لا أنت أنت ولا الديار ديار ... خف الهوى وتقضت الأوطار٢
ومثله قول أبي العلاء المعري:
يا ساهر البرق أيقظ راقد السمر ... لعل بالجزع أعوانا على السهر
وقد خلب القلوب ابن المعتز في تناسب القسمين بقوله:
أخذت من شبابي الأيام ... وتولى الصبا ﵇
_________
١ حشاشة النفس: بقيتها - الظاعنين الراحلين.
٢ الأوطار: مفردها وطر وهي الحاجة.
1 / 20