El discurso y el cambio social
الخطاب والتغير الاجتماعي
Géneros
ومن المفيد مقارنة صياغة مجالات معينة من منظورات خاصة من حيث الكثافة النسبية، أي من حيث عدد الصياغات المختلفة (بما في ذلك الأبنية اللفظية) التي ولدتها هذه المجالات، والتي يعتبر عدد كبير منها أشباه مترادفات، وقد نشر هاليداي بحثا مهما (عام 1978م) يستخدم فيه مصطلح «التكدس اللفظي» في الإشارة إلى كثافة الصياغة في مجال من المجالات، وسوف أستخدم أنا مصطلح «التكدس الصياغي»، ويعتبر التكدس الصياغي مؤشرا على «الانشغال الشديد»، كما يدل على وجود «خصائص أيديولوجية» معينة في المجموعة المسئولة عنها (فاولر وآخرون، 1979م، 210)، ومن الأمثلة عليه صياغة القدرات اللغوية في تقرير كنجمان عام 1988م عن تعليم اللغة الإنجليزية في المدارس البريطانية (وزارة التعليم والعلوم 1988م). فمن بين الصياغات نجد «المقدرة»، و«الفعالية»، و«الإجادة»، و«السهولة»، و«الخبرة»، و«المهارة»، ويبدو أن هذا التكدس الصياغي يرتبط بانشغال التقرير برسم صوة أيديولوجية للغة باعتبارها مجموعة من المهارات التقنية المحددة التي يمكن تعليمها، ويمكن اكتساب المعرفة بها بأسلوب النماذج، وهذه نظرة إلى اللغة تؤكد الإنتاج التقليدي المناسب، وتفسير الجوانب الفكرية للمعنى (انظر فيركلف وإيفانيتش، 1989م).
وبالإضافة إلى التكدس الصياغي، يضع هاليداي (1978م) يده على ظاهرة أخرى يسميها إعادة الصياغة، بمعنى توليد صياغات جديدة وإنشائها باعتبارها بدائل عن الصيغ القائمة ومعارضة لها، ومصطلح إعادة الصياغة عنوان مفيد يمكن وضعه لوصف الطابع التناصي والحواري للصياغة. ويؤكد إديلمان (1974م) المنظور الذي تستند إليه الصياغات التقليدية لعلاج المرضى النفسيين بإعادة التعبير عن هذه الممارسات بصياغة جديدة تركز على معارضتها ومعاداتها، وقد رأينا في المقتطف الخاص بإدارة التوتر عاليه إعادة صياغة لقدرات الموظفين ومشكلاتهم بهدف إدراجها في إطار إدارة الأفراد، وأما في المقتطف التالي فلنا أن نرى أن إعادة الصياغة تعتبر جانبا من جوانب تسويق التعليم:
منتج الإعداد المهني عادة ما يكون برنامجا، ومن ثم فإن تصميمه وتنفيذه من العناصر الرئيسية لعملية التسويق، وينبغي أن يبدأ انطلاقه من حاجات من يمكن أن يصبحوا زبائن وعملاء ومن الفوائد التي ينشدونها. (وحدة التعليم المستمر، 1987م، 51)
تسير إعادة الصياغة هنا جنبا إلى جنب مع إعادة الهيكلة الدلالية التي ناقشتها في القسم السابق، وانظر كيف يحل «التصميم» بصراحة في مرتبة ثانوية بعد «التسويق» في الجملة الثانية، الذي يعتبر جانبا من عملية تتضمن مفهوم «تصميم برنامج التدريب» وتدرجه في معنى أعم ويرتكز إلى قاعدة تجارية للتصميم. (10) الاستعارة
النظرة التقليدية إلى الاستعارة تعتبرها معلما من معالم اللغة الأدبية، ولغة الشعر بصفة خاصة، ولا تراها مناسبة لأنواع اللغة الأخرى، ولكن الدراسات الحديثة للاستعارة (بمعنى لغة المجاز عموما) تقيم حججا قوية على خطأ هذا التصور (ليكوف وجونسون 1980م)، فلغة المجاز متغلغلة في جميع أنواع اللغة، وجميع أنواع الخطاب، حتى في الحالات التي لا تبشر إطلاقا بذلك، مثل ضروب الخطاب العلمي والتقني، أضف إلى ذلك أن العبارات المجازية ليست مجرد زخرفات أسلوبية سطحية للخطاب، إذ إننا حين نختار الدلالة على أمور معينة بتعبير مجازي معين دون غيره، فإننا نبني واقعنا بطريقة معينة دون سواها، وهكذا فإن لغة المجاز تبني الطريقة التي نفكر بها والطريقة التي نتصرف بها، ونظم معارفنا ومعتقداتنا، وذلك بأشكال عميقة وأساسية.
وتعتبر طريقة التعبير المجازي عن مجال معين من مجالات الخبرة قضية من القضايا المتنازع عليها داخل الممارسات الخطابية وحولها، إذ نجد على سبيل المثال أن بعض العاملين في مجال التعليم العالي يعارضون معارضة شديدة التعابير الاستعارية المستمدة من السلع والاستهلاك (كالقول بأن «المواد الدراسية لا بد من إعدادها في صورة حزم متكاملة؛ بحيث تصبح وحدات يريد المستهلكون شراءها») وكان من بين جوانب التغير الخطابي جانب ترتبت عليه نتائج ثقافية واجتماعية مهمة، وهو التغير في التصوير المجازي للواقع، فإذا أردنا متابعة هذا المثال قلنا: إن التشكيل المجازي للتعليم وغيره من الخدمات في صورة الأسواق يعتبر عنصرا قويا من عناصر التحول لا في الخطاب وحسب، بل أيضا في التفكير وفي الممارسة في هذه المجالات (انظر ما يلي).
وقد تكتسب بعض الاستعارات صورة طبيعية بالغة العمق في ثقافة من الثقافات حتى لا يدرك الناس أنها استعارات في معظم الأحوال، بل وقد يجدون صعوبة شديدة، حتى حين ينتبهون إلى وجودها، في الإفلات من قبضتها في كلامهم أو تفكيرهم أو أفعالهم، ويناقش ليكوف وجونسون البناء المجازي لأية حجة باعتبارها حربا (وهي التي تتجلى، على سبيل المثال، في عبارة مثل «مزاعم يتعذر الدفاع عنها (أي واهية)» «هاجم كل نقطة ضعف في حجتي»، «انتقاداته أصابت الهدف إصابة مباشرة»، «دمرت حجته») ويقولون إن هذا لا يقتصر على كونه مسألة سطحية تتعلق بالصياغة، إذ إن «عددا كبيرا من الأشياء التي
نفعلها
أثناء التحاج مبنية إلى حد ما على مفهوم الحرب» (1980م، 4)، وهكذا فإن إضفاء الطابع الحربي على الخطاب يعني إضفاءه أيضا على الفكر والممارسة الاجتماعية (شيلتون، 1988م) تماما مثل إضفاء صورة السوق على الخطاب في التعليم المشار إليه آنفا باعتباره إضفاء لصورة السوق على الفكر والعمل.
والمثال التالي لإضفاء الطابع الحربي على الخطاب يوضح إلى حد كبير فعالية الاستعارات في بناء الواقع بأسلوب معين، وهو مقتطف من دراسة للانتخابات العامة البريطانية عام 1987م، وبصفة أخص للطريقة التي عالجت بها وسائل الإعلام قضية الدفاع (جارتون ومونتجومري وتولسون، 1988م؛ مونتجومري، 1990م)، ويشير المؤلفون إلى وجود «تلاق» بين قضية الدفاع ذاتها وأسلوب تمثيل أجهزة الإعلام لها أثناء الحملة الانتخابية: فالصورة المجازية المهيمنة للحملة نفسها صورة الحرب، والأمثلة التالية المقتطفة من التغطية التليفزيونية والصحفية توضح المقصود (التأكيد من عندي): (1)
Página desconocida