كلهَا بِتَرْكِهِ، وتعد حَيَاتهَا ومبيتتها جَاهِلِيَّة مَعَ فَقده، فالأمة كلهَا مُطَالبَة بِهِ، وَهِي صَاحِبَة الْأَمر والشأن فِيهِ كَمَا بَيناهُ فِي الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة، وَإِنَّمَا يقوم بِهِ ممثلوها من أهل الْحل وَالْعقد كَمَا حررناه فِي الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة، فَأهل الْحل وَالْعقد هم المطالبون بِجَمِيعِ مصَالح الْأمة الْعَامَّة، وَمَسْأَلَة السلطة الْعليا بِخَاصَّة. .
قُلْنَا إِن أهل الْحل وَالْعقد هم سراة الْأمة وزعماؤها ورؤساؤها، الَّذين تثق بهم فِي الْعُلُوم والأعمال والمصالح الَّتِي بهَا قيام حَيَاتهَا، وتتبعهم فِيمَا يقررونه بشأن الديني والدنيوي مِنْهَا، وَهَذَا أَمر من ضروريات الِاجْتِمَاع فِي جَمِيع شعوب الْبشر، تتَوَقَّف عَلَيْهِ الْحَيَاة الاجتماعية المنظمة، قَالَ شَاعِرنَا الْعَرَبِيّ:
(لَا يصلح النَّاس فوضى لَا سراة لَهُم ... وَلَا سراة إذاجهالهم سادوا)
وَإِذا صلحت هَذِه الفئة من الْأمة صلح حَالهَا وَحَال حكامها، وَإِذا فَسدتْ فسدا، وَلذَلِك كَانَ من مُقْتَضى الْإِصْلَاح الإسلامي أَن يكون أهل الْحل وَالْعقد فِي الْإِسْلَام من أهل الْعلم الاستقلالي بشريعة الْأمة ومصالحها السياسية والاجتماعية، والقضائية والإدارية والمالية، وَمن أهل الْعَدَالَة والرأي وَالْحكمَة، كَمَا بَيناهُ فِي الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة، وَهِي مَا يشْتَرط فِي أهل الِاخْتِيَار للخليفة. .
فَذكر أهل الْحل وَالْعقد قد تكَرر فِي مسَائِل أَحْكَام الْخلَافَة، وَلم نجعله عنوانًا إِلَّا لهَذِهِ الْمَسْأَلَة الَّتِي عقدت للْكَلَام فيهم أنفسهم، وَأَيْنَ يوجدون الْيَوْم، وَمَا يجب عَلَيْهِم لأمتهم فِي هَذَا الْعَصْر، فَإِن الحكومات غير الشَّرْعِيَّة من أَجْنَبِيَّة ووطنية تَعْنِي بإفساد زعماء الشعوب الَّتِي تستبد فِي أمرهَا، ليكونوا أعوانا لَهَا على استبدادها، وَمن تعجز عَن إفساده على قومه بالترغيب ثمَّ بالترهيب تكيد لَهُ أَو تبطش بِهِ، فَأهل الْحل وَالْعقد من قبل الْأمة، قَلما يوجدون إِلَّا فِي الْأُمَم الْحرَّة، وَأكْثر الرؤساء فِي الْأُمَم المقهورة يكونُونَ من قبل حكامها، وهم الَّذين توليهم رئاسة بعض الْأَعْمَال والمصالح فِيهَا، فَيكون مَا بيدهم من الْحل وَالْعقد مُسْتَأْجرًا، وَقد تغش الْأمة بِبَعْض رِجَاله، وَقد يكونُونَ فِي نظرها من الخونة الْمُسْتَحقّين للعقاب، وَقد يُوجد فيهم من يكون أَهلا للثقة، وتعرف لَهُ الْأمة ذَلِك أَو تجهله، وَإِذا سكتت على إِظْهَار احتقارها لصنائع المستبدين فِيهَا، لتفرقها فِي وَقت الانقياد والدعة، فَإِنَّهَا تظهره فِي وَقت الِاجْتِمَاع بِالِاضْطِرَابِ والثورة، وَقد أظهرت لنا الثورة المصرية فِي هَذِه السنين، كَرَاهَة الْأمة، واحتقارها لأفراد من رُؤَسَاء مصَالح الدُّنْيَا وَالدّين، وترئيس أَفْرَاد
1 / 66