آخَرين عَلَيْهَا، وَآيَة هَذِه الزعامة المصنوعة الْمُسْتَأْجرَة للحكومة أَن صَاحبهَا إِذا خرج من منصبه، تَجِد جُمْهُور الْأمة لَا يحفل بِهِ، وَلَا يعده زعيمًا لَهُ، وَرُبمَا أظهر لَهُ الاحتقار والإهانة. . وَقد رَأينَا الْأَجَانِب الغاصبين لبَعض بِلَادنَا فِي هَذِه السنوات النحسات يقودون بعض هَؤُلَاءِ الزعماء الَّذين أفسدوهم على الْأمة أَو رأسوهم عَلَيْهَا إِلَى عواصم بِلَادهمْ، ويتواطئون مَعَهم على توطيد سلطتهم فِيهَا (أَي الْأمة) ويستخدمون بَعضهم فِي الْبِلَاد للاستعانة بهم على استعمارها، وَكَذَلِكَ كَانَ يفعل السلاطين والأمراء، فِي استمالة الْعلمَاء والوجهاء، بالرتب والأوسمة والهبات، ثمَّ هَب التّرْك والمصريون يطْلبُونَ سلطة الْأمة بمجالس النواب، وَهَذِه الْمجَالِس بِمَعْنى جمَاعَة أهل الْحل وَالْعقد فِي الْإِسْلَام، إِلَّا أَن الْإِسْلَام يشْتَرط فيهم من الْعلم وَالْفضل مَالا يَشْتَرِطه الإفرنج ومقلدتهم فِي هَذَا الْعَصْر.
وَقد صَار أهل الجمعية الوطنية فِي أنقرة أَصْحَاب الْحل وَالْعقد بِالْفِعْلِ، وبالرغم من السُّلْطَان الَّذِي ناصبهم فباء بالخزي والعزل، وحلوا مَحل مجْلِس المبعوثين ومجلس الوزراء وشخص السُّلْطَان جَمِيعًا، وَقد ذَكرنِي هَذَا مَا قَالَه لي الْغَازِي أَحْمد مُخْتَار باشا فِي الآستانة لما سَأَلته عَن رَأْيه فِي الْحُكُومَة الدستورية قَالَ: عندنَا مجْلِس وَلَيْسَ عندنَا سُلْطَان، وَلَا بُد من الكفتين فِي وجود الْمِيزَان.
وَأما الْبِلَاد المقهورة بالاحتلال الْأَجْنَبِيّ كمصر والهند، فَلَا مجَال فِيهَا لمثل مَا فعل التّرْك، وَإِنَّمَا يظْهر فِيهَا فَرد بعد فَرد، إِلَّا أَن تبلغ الْأمة سنّ الرشد.
وَلَقَد وصل الْأُسْتَاذ الإِمَام رَحمَه الله تَعَالَى إِلَى مقَام الزعامة فِي هَذِه الْأمة ومرتبة أهل الْحل وَالْعقد فِي الْأُمُور الدِّينِيَّة والدنيوية من سياسة وَغَيرهَا، بل قَارب أَن يكون زعيم الْأمة الإسلامية كلهَا، وَلَكِن بِالْقُوَّةِ لَا بِالْفِعْلِ، لِأَن الْأمة لم تكن قد تكونت تَكُونَا يؤهلها للسير فِي الخطة الَّتِي يختطها لَهَا، وَلذَلِك كَانَ يَقُول: يَا وَيْح الرجل الَّذِي لَيْسَ لَهُ أمة، وَقد كَانَ أَمِير بِلَاده ينْهَى عَنهُ وينأى عَنهُ، على أَنه كَانَ يرجع فِي الْمُهِمَّات وَحل المشكلات إِلَيْهِ ...
وَقد بلغ سعد باشا زغلول مقَام الزعامة السياسية فِي هَذِه السنين الَّتِي تكون فِيهَا قومه، فَلَمَّا تصدى للْعَمَل بِقُوَّة الشّعب. . كَانَ جَزَاؤُهُ النَّفْي بعد النَّفْي، وَيُوجد فِي الْهِنْد رجال من الْمُسلمين والهنود رفعتهم أَحْدَاث الزَّمَان إِلَى مقَام الزعامة فِي الْأمة،
1 / 67