وَأما الْأَفْرَاد وَالْجَمَاعَات الَّذين لَيْسَ لَهُم رئاسة وَلَا نُفُوذ فِي قيادة الشّعب، وَلَا يَسْتَطِيعُونَ أَن يطيعوا إِذا بَايعُوا، كَأَن ينفروا إِذا استنفروا، وينصروا إِذا استنصروا، فقد يُسْمَح لَهُم فِي بعض هَذِه الأقطار بِأَن يَقُولُوا مَا شَاءُوا، وَفِي بَعْضهَا لَا يسمح لَهُم بذلك، وَرَأى السوَاد الْأَعْظَم من الْمُسلمين فِي كل قطر من هَذِه الأقطار مُخَالف لرأي الدولة المسيطرة عَلَيْهِ، وَمن ذَلِك مبايعة بعض الْأَفْرَاد وَالْجَمَاعَات المصرية والهندية للخليفة التركي الْجَدِيد، وَلَو أَرَادَ مثل ذَلِك أهل تونس والجزائر لما أُبِيح لَهُم مَعَ علم فرنسة المسيطرة عَلَيْهِم أَن هَذِه الْمُبَايعَة لَا يَتَرَتَّب عَلَيْهَا اتباعهم لحكومته التركية. . وَأَن هَذِه الْحُكُومَة نَفسهَا، غير تَابِعَة لخليفتها، بل هُوَ تَابع لَهَا، وموظف عِنْدهَا، وَهِي الَّتِي تحدد عمله ووظيفته. .
وصفوة القَوْل أَن الشعوب الإسلامية المقهورة بِحكم الْأَجَانِب لَيْسَ لَهَا من أمرهَا إِلَّا مَا يجود بِهِ عَلَيْهَا الْأَجَانِب القاهرون لَهَا، وَلَا يُمكنهَا أَن تساعد على وحدة الْأمة، الَّتِي تتَوَقَّف عَلَيْهَا وحدة الْإِمَامَة. . إِلَّا من طَرِيق بَث الدعْوَة وبذل المَال، وَأَن الشعوب المستقلة لَا مطمع الْآن فِي جمع كلمتها. . بترك التعصب لمذاهبها ولجنسيتها، وإيجاد خلَافَة صَحِيحَة قَوِيَّة توَحد حكومتها. . وَأقرب مِنْهُ عقد مُوالَاة ودية أَو محالفات سياسية عسكرية بَينهَا، وَقد بَدَأَ بذلك الْأَعَاجِم مِنْهَا. . وَأما الْعَرَبيَّة فقد عز إِلَى الْيَوْم التَّأْلِيف بَينهَا، فَإِذا يسره الله تيَسّر اتفاقها مَعَ غَيرهَا، وَكَانَ ذَلِك تمهيدا للْإِمَامَة الْعَامَّة الَّتِي تجمع كلمتها كلهَا. .
وَمن ذَا الَّذِي يُطَالب بِإِعَادَة تكوين الْأمة الإسلامية المنحلة العقد المفككة الأوصال، وبإعادة منصب الْخلَافَة إِلَى الْموضع الَّذِي وَضعه فِيهِ الشَّارِع؟ أهل الْحل وَالْعقد؟ . . وَمن هم وَأَيْنَ هم الْيَوْم؟
أهل الْحل وَالْعقد فِي هَذَا الزَّمَان
وَمَا يجب عَلَيْهِم فِي أَمر الْأمة وَالْإِمَام:
فَرغْنَا مِمَّا قصدنا إِلَى بَيَانه من أَحْكَام الْإِمَامَة الْعُظْمَى فِي الْإِسْلَام، ونقفي عَلَيْهِ بِبَيَان مَا يجب من السَّعْي للْعَمَل بِهَذِهِ الْأَحْكَام، بِإِعَادَة تكوين الْأمة ووحدتها. وَنصب الإِمَام الْحق لَهَا، الَّذِي بَينا فِي الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة أَنه وَاجِب عَلَيْهَا شرعا، تأثم
1 / 65