وَقد كَانَ نَص الْمَادَّة الثَّالِثَة من هَذِه المحالفة الَّتِي وضعت فِي (أنقرة) جعل الدولة الأفغانية فِي مَكَان التَّابِع من الدولة التركية، وَهَذِه التَّرْجَمَة نشرت فِي جَرِيدَة الْأَخْبَار المصرية لمراسلها فِي (كابل) عَاصِمَة الأفغان
" تصدق الدولة الأفغانية بِهَذِهِ الْمُنَاسبَة على أَنَّهَا تقتدي بتركيا الَّتِي تحدم خدمات جليلة وَتحمل علم الْخلَافَة الإسلامية " أَي تقر وتعترف بِهَذِهِ الْقدْوَة.
وَذكر المراسل أَن أَمِير الأفغان لم يقبل هَذَا النَّص بل غَيره " بِأَن الدولة الأفغانية لَا تقتدي بالدولة الْعلية التركية، وَإِنَّمَا عَلَيْهَا أَن تعترف بِأَنَّهَا دولة الْخلَافَة " وَقد كَانَ هَذَا قبل الانقلاب التركي الْأَخير، وَذكر فِي بعض الجرائد أَن الأفغان أَنْكَرُوا مِنْهُ جعل الْخلَافَة روحية لَا شَأْن لَهَا فِي السياسة وَالْأَحْكَام وَإِذا آل الْأَمر إِلَى اعترافهم بِصِحَّة الْخلَافَة العثمانية التركية شرعا فَلَا مندوحة لَهُم عَن اتِّبَاع الْخَلِيفَة لأَنهم قوم مُسلمُونَ مستمسكون بدينهم استمساكا عَظِيما. .
وَلَكِن الظَّاهِر أَن جَمِيع الَّذين يعترفون للعثمانيين من التّرْك بالخلافة وَلَا يتبعُون حكومتهم فَإِنَّمَا يعترفون لَهُم بلقب من ألقاب الشّرف، لصَاحبه نُفُوذ معنوي لَدَى الدول. . وَإِلَّا فَلَا معنى لكَون الرجل خَليفَة الْمُسلمين إِلَّا أَنه إِمَام دينهم وَرَئِيس حكومتهم الَّذِي تجب طَاعَته عَلَيْهِم. . وتباح دِمَاؤُهُمْ فِي الْخُرُوج عَلَيْهِ، والاستقلال بالحكم دونه بِشُرُوطِهِ الْمَعْرُوفَة فِي كتب الْفِقْه. . وَأما المتغلب الَّذِي لَا يطاع إِلَّا بالقهر فَلَا يجوز لغير من قهرهم الِاعْتِرَاف لَهُ بالخلافة، وَإِن من الْعَبَث بِالْإِسْلَامِ أَن تجْعَل إِمَامَته الْكُبْرَى مُجَرّد لقب من ألقاب الْمَدْح والشرف. .
هَذَا وَأما الْبِلَاد الإسلامية الرازحة تَحت أثقال السيطرة الْأَجْنَبِيَّة كمصر وَسَائِر أقطار إفريقية الشمالية وسورية وَالْعراق فَلَيْسَ لَهَا من أَمر حكمهَا أَو حُكُومَة دينهَا شَيْء. . وَلَيْسَ فِيهَا جمَاعَة تتصرف فِي ذَلِك بِحل وَلَا عقد، فَلَو أَن رُؤَسَاء الْحُكُومَة والشعب فِي قطر مِنْهَا - وهم الَّذين كَانُوا لَوْلَا السلطة الْأَجْنَبِيَّة أهل الْحل وَالْعقد فِيهَا - أَرَادوا أَن يبايعوا خَليفَة فِي بِلَاد التّرْك أَو الْعَرَب مثلا مبايعة صَحِيحَة، وَهِي مَا توجب عَلَيْهِم أَن يَكُونُوا خاضعين لسلطانه، مُطِيعِينَ فِي أُمُورهم الْعَامَّة لأَمره وَنَهْيه، ناصرين لَهُ على من يقاتله أَو يبغى عَلَيْهِ، لما اسْتَطَاعُوا أَن يمضوا ذَلِك وينفذوه بِدُونِ إِذن الدولة الْأَجْنَبِيَّة المسيطرة عَلَيْهِم، وَهِي لن تَأذن وَإِن كَانَت تَدعِي أَنَّهَا لَا تعَارض الْمُسلمين فِي أُمُور دينهم، وَأَنَّهَا تاركة أَمر الْخلَافَة إِلَيْهِم. .
1 / 64