عدَّة قُرُون وَلم يستطيعوا إِزَالَة إمامتهم، وَلَكِن جيرانهم من الْعَرَب وَسَائِر الْمُسلمين لَا يعتدون بإمامتهم، وهم لَا يدعونَ إِلَيْهَا وَلَا يستعدون لتعميمها وَقد اعْترف بِصِحَّتِهَا إِمَام حفاظ السّنة وقاضي قُضَاة مصر وَشَيخ مَشَايِخ الْإِسْلَام فِي أزهرها لعهده الْحَافِظ أَحْمد بن حجر الْعَسْقَلَانِي فِي شَرحه لحَدِيث
" لَا يزَال هَذَا الْأَمر فِي قُرَيْش مَا بَقِي مِنْهُم اثْنَان " من صَحِيح البُخَارِيّ.
وَأما السَّيِّد الإدريسي فَهُوَ على كَونه حَاكما مُسْتقِلّا، وَسَيِّدًا علويًا، وفقيها أزهريا، ومرشدا صوفيا. لم يدع منصب الْخلَافَة فِيمَا نعلم، وَلم يدع رُؤَسَاء إمارته إِلَى مبايعته بهَا، وَلَكِن أهل بَيته وجماعته يَعْتَقِدُونَ أَنه أَحَق بهَا من شرفاء الْحجاز، ويلقبونه بالسيد الإِمَام. . ولقبه بَعضهم بِصَاحِب الْجَلالَة الهاشمية، وَقد نقل لنا الثِّقَات أَن الْملك حُسَيْنًا اجْتهد فِي استمالته للاعتراف بالتبعية للحجاز فِي السياسة الخارجية أَو بِالِاسْمِ فَقَط فَلم يفلح، كَمَا أَنه لم يفلح فِي سَعْيه لَدَى الإِمَام يحيى بذلك، وَقد اسْتغْرب كل مِنْهُمَا هَذَا السَّعْي. . وبلغنا أَن السَّيِّد الإدريسي كَانَ يفضل الِاعْتِرَاف بسيادة التّرْك السياسية على بِلَاده فِي الْأُمُور الخارجية، هربًا من دسائس الإفرنج وتقوية للروابط الإسلامية. .
وَأما حُكُومَة الْحجاز فَهِيَ جَدِيدَة وَلَا يعرف لَهَا نظام ثَابت، وَإِنَّمَا ملك الْحجاز هُوَ هُنَالك الْحُكُومَة وكل شَيْء، وَقد بَايعه أهل مَكَّة على أَنه ملك الْعَرَب ثمَّ بَايعه آخَرُونَ فِي سورية وَغَيرهَا بالخلافة وإمارة الْمُؤمنِينَ على عهد وجود وَلَده فيصل فِيهَا قبل إعلان اسْتِقْلَال دمشق، وَذَلِكَ كَمَا يُبَايع أمثالهم فِي سوريا ومصر الْخَلِيفَة الْجَدِيد فِي الآستانة، وَيظْهر أَن وَلَده فيصل ملك الْعرَاق وَولده عبد الله أَمِير شَرق الْأُرْدُن مصران على بذل نفوذهما لجعله هُوَ الْخَلِيفَة، وَأخذ الْمُبَايعَة لَهُ من سورية وَالْعراق عَن سنوح الفرصة. . وَقد نشر فِي جَرِيدَة الْقبْلَة مقالات قديمَة وحديثة فِي بطلَان خلَافَة خلفاء التّرْك فِي الآستانة وتكفيرهم وتكفير حكومتهم، وَقد كَانَ فِي عمان مَسْجِد متداع فَأمر الْأَمِير عبد الله بتجديد بنائِهِ فَوضع لَهُ قاضيه الشَّيْخ سعيد الكرمي تَارِيخا فِي أَبْيَات من الشّعْر نقشت على لوح من الرخام وضع فَوق بَابه قَالَ فِي أَولهَا:
(حُسَيْن بن عون من بني مجد عدنان ... فَصَارَ أَمِير الْمُؤمنِينَ بِلَا ثَانِي)
(أعَاد لَهُ حق الْخلَافَة بعد مَا ... ثوت زَمنا بِالْغَصْبِ فِي آل عُثْمَان)
1 / 61