وَقد جعل هَذَا القَاضِي بِنَاء حُسَيْن لما سَمَّاهُ مجد عدنان، سَببا لصيرورته أَمِير الْمُؤمنِينَ الَّذِي لَا ثَانِي لَهُ فِي بِلَاد الْإِسْلَام، وَهُوَ لم يبن لعدنان مجدًا، ومجد عدنان لَيْسَ سَببا للخلافة، وَإِنَّمَا يرضى النَّاظِم بذلك أميره الَّذِي كَانَ وَلَا يزَال يعسى لتحقيق جعل وَالِده خَليفَة، وَلكنه طعن فِي إِمَامَة يحيى حميد الدّين الَّذِي يخْطب أميره ووالد أميره الْملك وده، لَا فِي خلَافَة أعدائه التّرْك فَقَط، وَلَا يَسْتَطِيع أحد أَن يقرن بِهِ أحدا من شرفاء الْحجاز وأمثالهم. . مِمَّن يرَوْنَ أنفسهم أَهلا للْإِمَامَة بأنسابهم، فَإِنَّهُ على تَوَاتر نسبه الْهَاشِمِي الْعلوِي، وصراحته بخلوه من شوائب الرّقّ غير الشَّرْعِيّ، قد انتخب بِأَنَّهُ عَالم مُجْتَهد شُجَاع مُدبر، ذُو شَوْكَة ومنعة يقدر بهما على حفظ اسْتِقْلَال بِلَاده، وَقد بُويِعَ بِالْإِمَامَةِ مُنْذُ عشرات من السنين، والمعترفون بإمامته يزِيدُونَ على عدد أهل الْحجاز، بل على أهل سورية كلهَا وَالْعراق أَيْضا. .
لَيْسَ من غرضنا هُنَا مناقشة هَؤُلَاءِ وَلَا غَيرهم فِي دعاويهم وَلَا أغراضهم بل بَيَان الْوَاقِع فِي الْبِلَاد الإسلامية المستقلة وَهُوَ أَن ملك الْحجاز وَأَوْلَاده يَعْتَقِدُونَ أَن الْخلَافَة حَقهم بنسبهم ومركزهم فِي الْحجاز، وَأَنَّهُمْ ينالونه بمساعدة الدولة البريطانية لَهُم، وَقد قَالَ أحدهم عبد الله أَمِير شَرق الْأُرْدُن فِي الْإسْكَنْدَريَّة " إِن الْخلَافَة لنا " ونقلت الجرائد المصرية هَذَا عَنهُ ورد عَلَيْهِ فِي بَعْضهَا. .
وَأما أهل نجد فحنابلة سلفيون وهم يسمون أَمِيرهمْ إِمَامًا وَلَا يسمونه خَليفَة وَلم يبلغنِي أَنه يَدعِي الْخلَافَة الْعَامَّة، وَلَكنهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنه لَا يُوجد أَمِير مُسلم يُقيم دين الله كَمَا أنزلهُ غَيره، وَأَن بِلَادهمْ دَار الْعدْل وَجَمَاعَة الْمُسلمين وَالْهجْرَة إِلَيْهَا وَاجِبَة بشروطها. . فَلَا مطمع فِي اتباعهم لغَيرهم، وَقد اتهموا بانتحال مَذْهَب جَدِيد نفر مِنْهُم غَيرهم، وهم لَا يبالون مَا يُقَال فيهم، وَلَا يدعونَ أحدا إِلَى اتباعهم، إِلَّا البدو المجاورين لَهُم، الَّذين لَا يعْرفُونَ من الْإِسْلَام عقيدة وَلَا عملا، فيدعونهم إِلَى التدين وَترك البداوة وَاتِّبَاع حكومتهم الإسلامية الَّتِي تقيم شرع الله وحدوده على مَذْهَب إِمَام السّنة أَحْمد بن حَنْبَل. .
فَهَذَا ملخص مَا نعلم من حَال الْبِلَاد الْعَرَبيَّة المستقلة، وَتَركنَا ذكر حُكُومَة عمان الأباضية لِأَن نُفُوذ الإنكليز فِيهَا كَبِير، فأهلها لَا يَهْتَدُونَ سَبِيلا إِلَى الارتباط بغيرهم، وَمذهب أَكْثَرهم أباضى فهم من الْخَوَارِج الَّذين لَا يقيدهم مَذْهَبهم بِشَرْط
1 / 62