وحدة الْإِمَامَة بوحدة الْأمة:
وحدة الْإِمَامَة تتبع وحدة الْأمة، وَقد مزقت العصبية المذهبية ثمَّ الجنسية الشعوب الإسلامية بعد تَوْحِيد الْإِسْلَام إِيَّاهَا بِالْإِيمَان بِرَبّ وَاحِد، وإله وَاحِد، وَكتاب وَاحِد، والخضوع لحكم شرع وَاحِد، وتلقى الدّين والآداب وَغَيرهَا بِلِسَان وَاحِد، فَأنى يكون لَهَا الْيَوْم إِمَام وَاحِد، وَهِي لَيست أمة وَاحِدَة؟
لَا أَقُول إِن هَذَا محَال فِي نَفسه، وَإِنَّمَا أَقُول إِنَّنِي لَا أعرف شعبًا من شعوب الْمُسلمين وَلَا جمَاعَة من جماعاتهم المنظمة تقدرة قدره، وتسعى إِلَيْهِ من طَريقَة، فهم فِي دَرك من الْجَهْل والتخاذل والتفرق المذهبي والتعصب الجنسي وَضعف الهمة يقْعد بهم عَن التسامي إِلَى هَذَا الْمثل الْأَعْلَى فِي الْكَمَال الديني والاجتماعي، وَحمل الْبِلَاد الإسلامية ذَات الحكومات المستقلة على الخضوع لرئيس وَاحِد بِالْقُوَّةِ العسكرية مِمَّا لَا سَبِيل إِلَيْهِ فِي هَذَا الزَّمَان وَلَا سَبِيل إيضا إِلَى إقناع حكومات هَذِه الْبِلَاد، بِاتِّبَاع وَاحِد مِنْهُم بالرضى وَالِاخْتِيَار. .
والحكومات المستقلة الْآن هِيَ حكومات التّرْك وَالْفرس والأفغان ونجد واليمن الْعليا وَهِي النجُود وَمَا يتبعهَا واليمن السُّفْلى والحجاز، وَقد اسْتَقَلت بعض الأقطار الإسلامية الَّتِي كَانَت تَابِعَة لروسية القيصرية كبخارى وخيوه، وَلَكِن استقلالهما لم يسْتَقرّ بعد، على أَنه قد اعْترف بِهِ فِي المعاهدة التركية الأفغانية، وَمثلهمَا أذربيجان ودونهما كردستان، وَهَذِه الحكومات الصَّغِيرَة تجزم الدولة التركية بِأَنَّهَا ستسودهن وتدعمهن فِي جامعتها الطورانية. . وَكَذَا سَائِر شعوب القوقاز الإسلامية، وَلَا تُوجد حُكُومَة مِنْهُنَّ يُمكن أَن تَدعِي الْخلَافَة الدِّينِيَّة. فَبَقيَ الْكَلَام فِي الحكومات الْعَرَبيَّة. . والدول الثَّلَاث الأعجمية. .
فَأَما أهل الْيمن الْعليا فيعتقدون أَن الْإِمَامَة الشَّرْعِيَّة الصَّحِيحَة محصورة فيهم مُنْذُ ألف سنة ونيف لِأَن أئمتهم ينتخبون انتخابا شَرْعِيًّا تراعي فِيهِ جَمِيع الشُّرُوط الشَّرْعِيَّة الَّتِي يشترطها أهل السّنة مَعَ زِيَادَة مُرَاعَاة مَذْهَبهم الزيدي، وَأَن هَذِه الزِّيَادَة لَا تعَارض مَذْهَب أهل السّنة، وَأَنَّهُمْ يحكمون بِالشَّرْعِ ويقيمون الْحُدُود، ومذهبهم فِي الْفُرُوع مَذْهَب العترة النَّبَوِيَّة. . وَهُوَ قَلما يُخَالف مَذَاهِب السّنة الْأَرْبَعَة وَلَا سِيمَا مَذْهَب الْحَنَفِيَّة. . فَلَا مطمع فِي إقناعهم بِاتِّبَاع غَيرهم، وَقد قَاتلهم التّرْك
1 / 60