عدوة شاذا أَنَّهَا إِذا كَانَت مستجمعة للشروط كَانَت إِمَامَة صَحِيحَة، وَهَذَا هُوَ التَّعَدُّد الْحَقِيقِيّ، وَلَكِن لم يخْتَلف اثْنَان فِي أَنَّهَا للضَّرُورَة، فَإِذا زَالَت وَجَبت الْوحدَة. ولهذه الْمسَائِل أَحْكَام كَثِيرَة لَا مَحل هُنَا للبحث فِيهَا. .
بيد أَنه لابد من الْبَحْث فِي ثُبُوت هَذِه الضَّرُورَة، فَإِن بعد الشقة بَين الْبِلَاد، وَتعذر المواصلات الَّتِي يتَوَقَّف عَلَيْهَا تَنْفِيذ الْأَحْكَام، مِمَّا يخْتَلف باخْتلَاف الزَّمَان وَالْمَكَان، فَلَا يَصح أَن يَجْعَل عذرا دَائِما لصدع وحدة الْإِسْلَام، وَقد " تقَارب الزَّمَان " فِي عهدنا هَذَا مصداقًا لما ورد فِي بعض الْأَحَادِيث المنبئة بالأحداث المستترة فِي ضمائر الْغَيْب، فاتصلت الأقطار النائية بَعْضهَا بِبَعْض فِي الْبر وَالْبَحْر، بالبواخر والسكك الحديدية. . ثمَّ بالمراكب الهوائية (الطيارات والمناطيد) الَّتِي صَارَت تنقل الْبَرِيد وَالنَّاس مَسَافَة مئات وألوف من الأميال، فِي سَاعَة أَو سَاعَات، دع نقل الْأَخْبَار بِقُوَّة الكهرباء من أول الدُّنْيَا إِلَى آخرهَا فِي دقائق معدودات. . وَلَو كَانَت هَذِه الْوَسَائِل فِي عصر سلفنا لملكوا الْعَالم كُله، وَهُوَ مَا يطْمع فِيهِ بعض الْأُمَم الْيَوْم، وَهَذِه شعوب الشمَال فِي أوربة قد سادت مُعظم شعوب الْجنُوب والشرق، وَبَين شعوب الْفَرِيقَيْنِ مُنْتَهى أبعاد الْعمرَان من الأَرْض.
وَلَكِن الْمُسلمين قصروا فِي هَذِه الْوَسَائِل، فبعض بِلَادهمْ محرومة مِنْهَا كلهَا، وَمَا يُوجد فِي بَعْضهَا فهم عَالَة فِيهِ على الإفرنج، وَإِن شرعهم يفرضها عَلَيْهِم فرضا دينيًا من وُجُوه أهمها أَن كثيرا من الْفَرَائِض والواجبات تتَوَقَّف عَلَيْهَا أَو لَا تتمّ إِلَّا بهَا، كحفظ المملكة والدفاع عَنْهَا، والإعداد لأعدائها مَا تَسْتَطِيع من قُوَّة كَمَا أمرنَا كتَابنَا، وَقد صَار هَذَا من الْفَرَائِض العينية علينا، لاستيلائهم على أَكثر بِلَادنَا، ويتحقق الْوُجُوب الْعَيْنِيّ على الرِّجَال وَالنِّسَاء باستيلاء الْأَعْدَاء على قَرْيَة صَغِيرَة مِنْهَا، دع توقف وحدة السلطة عَلَيْهِ بالخضوع لإِمَام وَاحِد يُقيم الْحق وَالْعدْل فِينَا، منفذا بِهِ أَحْكَام شرعنا. .
فأمام وحدة الإِمَام الْوَاجِبَة وَاجِبَات كَثِيرَة قد فرط فِيهَا الْمُسلمُونَ من قبل، بقبولهم أَحْكَام التغلب الَّتِي أضاعت جلّ مَا جَاءَ بِهِ الْإِسْلَام لإِصْلَاح الْبشر فِي شكل حكومتهم وصفاتها وَغير ذَلِك، فَأَي وَاجِب مِنْهَا أَقَامُوا حَتَّى يطالبوا بِهَذَا الْوَاجِب؟ . .
1 / 59