فاعرف هَذَا فَإِنَّهُ الْمُنَاسب للقواعد الشَّرْعِيَّة، والمطابق لما تدل عَلَيْهِ الْأَدِلَّة، ودع عَنْك مَا يُقَال فِي مُخَالفَته، فَإِن الْفرق بَين مَا كَانَت عَلَيْهِ الْولَايَة الإسلامية فِي أول الْإِسْلَام وَمَا هِيَ عَلَيْهِ الْآن، أوضح من شمس النَّهَار، وَمن أنكر ذَلِك فَهُوَ مباهت لَا يسْتَحق أَن يُخَاطب بِالْحجَّةِ لِأَنَّهُ لَا يَعْقِلهَا وَالله الْمُسْتَعَان " اهـ.
هَذَا أَوْجَه تَفْصِيل قيل فِي جَوَاز التَّعَدُّد للضَّرُورَة وَهُوَ اجْتِهَاد وجيه ويشبهه عِنْد بعض الْأَئِمَّة تعدد الْجُمُعَة فِي الْبَلَد الْوَاحِد. . فَالْأَصْل فِي الشَّرْع أَن يجْتَمع أهل الْبَلَد كلهم فِي مَسْجِد وَاحِد لِأَن للشارع حِكْمَة جلية فِي الِاجْتِمَاع فَإِن تعدّدت فالجمعة للسابق والمتأخر لَا يعْتد بجمعته. فَمَتَى علم أَنَّهَا أُقِيمَت فِي مَسْجِد لم يجز أَن تُقَام ثَانِيَة فِيهِ وَلَا فِي غَيره من ذَلِك الْبَلَد، وَمن أَقَامَهَا كَانَت صلَاتهم بَاطِلَة وَكَانُوا آثمين، وَلَا تسْقط عَنْهُم صَلَاة الظّهْر، وَجوز التَّعَدُّد للضَّرُورَة بِقَدرِهَا أَشد المانعين حظرا لَهُ فِي حَال الِاخْتِيَار. .
وَظَاهر كَلَام الْجُمْهُور الَّذين أطْلقُوا منع تعدد الإِمَام الْحق، أَن الْمُسلمين الَّذين لَا يَسْتَطِيعُونَ اتِّبَاع جمَاعَة الْمُسلمين وإمامهم فِي دَار الْعدْل لبعد الشقة وَتعذر المواصلة، يعذرُونَ فِي تأليف حُكُومَة خَاصَّة بقطرهم، وَيكون حكمهم فِيهَا حكم من أَسْلمُوا وتعذرت عَلَيْهِم الْهِجْرَة إِلَى دَار الْإِسْلَام لنصرة الإِمَام، وَلَا تكون دَارهم مُسَاوِيَة لدار الْعدْل وَجَمَاعَة الْإِمَامَة الَّذين أَقَامُوا الشَّرْع قبلهم، بل يجب عَلَيْهِم اتِّخَاذ الْوَسَائِل للالتحاق بهَا، وَجمع الْكَلِمَة وَلَو باستمداد السلطة مِنْهَا ونصرة إمامها وجماعتها بِقِتَال من يقاتلهم عِنْد الْإِمْكَان، كَمَا يجب على الْجَمَاعَة نَصرهم فِي حَال الاعتداء عَلَيْهِم، وَإِذا صَحَّ أَن يكون حكمهم كَحكم من لم يهاجروا إِلَى دَار الْإِسْلَام فَالْحكم فِي نَصرهم يدْخل فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿وَالَّذين آمنُوا وَلم يهاجروا مَا لكم من ولايتهم من شَئ حَتَى يُهاجروا، وَإِن اسْتَنصَرُوكم فِي الدِّين فعَليكُم النصرُ إِلَّا عَلَى قَوْم بَيْنكُم وَبيْنَهم ميثَاق﴾ على القَوْل الْمُخْتَار بِأَن هَذِه الْآيَة فِي الْولَايَة الْعَامَّة. . لَا فِيمَا كَانَ من ولَايَة التَّوَارُث خَاصَّة. .
وَجُمْلَة القَوْل أَن جُمْهُور الْمُسلمين أَجمعُوا على أَن تعدد الْإِمَامَة الإسلامية غير جَائِز، وَمُقْتَضَاهُ أَن الْحُكُومَة الإسلامية الَّتِي تَتَعَدَّد للضَّرُورَة. . وَتعذر فِي ترك اتِّبَاع الْجَمَاعَة هِيَ حُكُومَة ضَرُورَة تعْتَبر مُؤَقَّتَة، وتنفذ أَحْكَامهَا وَلَكِن لَا تكون مُسَاوِيَة للأولى، وَإِن كَانَت مستجمعة لشروط الْإِمَامَة مثلهَا، وَظَاهر القَوْل الآخر الَّذِي
1 / 58