فكانت أماكن الإيمان شاغرة من القلوب، فلابد أن يكون من يملؤها، لابد من محمد رسول الله رب العالمين، ولابد أن يقوم فى وسط الأرض يدعو أهل الأرض فى الأرض النبوة الأولي
أرض النبوة الأولى
٢٦- قرأت لبعض كتاب الفرنجة كلاما يتحدث فيه عن أورشليم وبيت المقدس، يقول فيه إن أورشليم وما حولها البقعة المباركة كانت مدرسة الأنبياء، ففى وسطها تربى الأنبياء، وعلت أصواتهم بالرسالة، وأنه لا مدرسة للنبوة غير هذه المدرسة، ففيها ظهر داود وسليمان وعيسي، وهى التى أرادها موسي، ودعا بنى إسرائيل لأن يدخلوها، فقالوا إِنَّ فِيها قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها «١» .
وذلك القول فيه حق، وفيه باطل، أما الحق فهو ما ينبيء عنه من مكانة أورشليم التى بها المسجد الأقصى مسرى النبي، وثالث المساجد التى تشد إليها الرحال، والتى كان منها المعراج، والقبلة الأولى للإسلام، وهى بهذا وبغيره سميت فى القران الكريم والمصادر الدينية السماوية الأرض المقدسة.
أما الباطل فى كلام ذلك الكاتب فهو:
أولا- فى قصره النبوة على أورشليم وما حولها، فإن القصر ليس بسليم، فإنه ما من أمة إلا خلا فيها نذير، وبعد أن قص الله تعالى قصص عدد من الأنبياء قال تعالى فى كتابه الكريم: مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ «٢» وإننا لا نذهب بعيدا عن أورشليم فإنه بجوارها الجزيرة العربية وأطرافها كان فيها الأنبياء أصحاب الرسالات التى جاءت بها كتب سماوية وذكرتها التوراة والقران، مما سنذكره فى هذا الموضوع قريبا إن شاء الله تعالي.
ثانيا- لأنه فهم أن للنبوة مدرسة يتربى فيها الأنبياء، وذلك باطل لأن النبوة رسالة من الله تعالى لخلقه، لا تكون بمدرسة يتخرج فيها الأنبياء، ولكن تكون بوحى من الله تعالي، وتكليف منه سبحانه وتعالي، سواء أكان ذلك الوحى بخطاب أوحى به إليه، أو بكلام الله تعالى من وراء حجاب، كما كان الشأن بالنسبة لموسى ﵇، أو برسول من الملائكة ينقل عن الله تعالى لمن اصطفاه من خلقه نبيا أو رسولا، فاعتبار أورشليم مدرسة للنبوة كلام ليس دينيا وليس علميا، ولا يتفق مع تاريخ الأنبياء المرسلين عليهم الصلاة والسلام.
٢٧- وإذا سأل سائل: لماذا بعث محمد ﷺ فى الجزيرة العربية وفى الحجاز منها، ولم يبعث فى أورشليم كما بعث داود وسليمان وعيسى عليهم الصلاة والسلام؟
_________
(١) سورة المائدة: ٢٢.
(٢) سورة غافر: ٧٨.
1 / 30