من نفسه أنه
تارة يكون مريضًا، وتارة صحيحًا، وتارة ملتذًا، وتارة متألمًا، وتارة شابًا، وتارة شيخًا، والانتقالُ من بعض هذه الصفات إلى غيرها ليس باختياره، ولا باختيار أحد.
وأيضًا: كثيرًا ما يجتهد في طلب شيء فلا يجد، وكثيرًا ما يكون غافلًا عنه فيحصل، وعند ذلك يعلم كل أحد عند نقض العزائم وفسخ الهمم أنه لابد له من مدبر يكون تدبيره فوق تدبير البشر.
وربما اجتهد العاقل الذكي في الطلب فلا يجد، والغِرُّ الغبي يتيسر له ذلك المطلوب، فعند هذه الاعتبارات يلوح له صدق قول الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه:
ومن الدليل على القضاء وكونه ... بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق
ويظهر له أن هذه المطالب إنما تحصل وتتيسر بناءً على قسمة قسّام لا تمكن منازعته ومغالبته.
وبالجملة فلما كان اطلاع كل أحد على أحوال نفسه أشدَّ من اطلاعه على أحوال غيره لا جرم قدم هذا الدليل على سائر الدلائل.
1 / 45