ثالثها: بأحوال أهل الأرض، وإليه الإشارة بقوله: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا﴾
رابعها: بأحوال أهل السماء، وإليه الإشارة بقوله: ﴿وَالسَّمَاء بِنَاء﴾.
خامسها: بالأحوال الحادثة المتعلقة بالسماء والأرض، وإليه الإشارة بقوله: ﴿وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ﴾ فإن السماء كالأب، والأرض كالأم، تنزل قطة من صلب السماء إلى رحم الأرض، فيتولد منها أنواع النبات.
ولما ذكر تعالى هذه الدلائل الخمسة رتب المطلوب عليها فقال: ﴿فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ فهو مشتمل على إثبات الإله، وعلى إثبات كونه واحدًا، لأن تلك حوادث، وكل حادث لابد له من محدث، وذلك دليل على وجود الصانع، ولأنها حدثت لا على وجه الخلل والفساد، وذلك دليل على وحدة الصانع ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾.
ثم هنا لطيفة أخرى مرعية في هذه الآية، وهي أنَّ الترتيب الحسن المفيد في هذه الآية: في التعليم من الأظهر فالأظهر، نازلًا إلى الأخفى فالأخفى في الدلائل، لأنه تعالى قال: ﴿اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾ فجعل استدلال كل عاقل بنفسه مقدمًا على جميع الاستدلالات لأن إطلاع كل أحد على أحوال نفسه أتم من إطلاعه على أحوال غيره، فيجد بالضرورة
1 / 44