[فاطر: 34- 35] ويستغرب من القرطبي قوله عقب هذا.
وعلى هذا الحد قال علماؤنا الحمد أعم من الشكر لأن الحمد يقع على الثناء وعلى التحميد وعلى الشكر، والجزاء مخصوص إنما يكون مكافأة لمن أولاك معروفا فصار الحمد أعم في الآية لأنه يزيد على الشكر، فإن هذا الذي ذكره أخيرا يهدم ما بناه أولا حيث اشترط في الحمد أن يكون من غير سبق إحسان، اللهم إلا أن يكون مراده أن الحمد يأتي تارة في مقابل نعمة وتارة بدونها كما صرح به ابن عطية وكما يفيده تعريف الحمد الذي ذكرناه، وإذا كان هذا هو مراد القرطبي فهو معنى صحيح ولكن عبارته لم تف بمطلوبه.
و " ال " في الحمد قيل هي للاستغراق وعليه أبو حيان في (البحر) والقرطبي في تفسيره والألوسي " مع بعض تردد " والفخر الرازي في (مفاتيح الغيب) والشوكاني في (فتح القدير) وقطب الأئمة في (الهيميان) ونور الدين السالمي في (طلعة الشمس).
وقيل هي للجنس وعليه الزمخشري وكثير من الذين تأثروا برأيه، ووهم الزمخشري أصحاب الرأي الأول، وحمل خصوم الزمخشري هذا التوهيم على أنه أراد به الانتصار لمذهبه الفاسد في خلق الأفعال فإنه إذا جعلت جميع صنوف المحامد محصورة في الله عز وجل كما يستلزمه القول بالاستغراق فات الزمخشري مطلوبه من جعل العباد الصالحين مستحقين لشيء من الحمد على خلقهم الأفعال الحسنة كما هي عقيدة المعتزلة في أن الإنسان يستقل بخلق أفعاله استقلالا تاما ، وللإمام نور الدين السالمي رحمه الله في أول " طلعة الشمس " بحث نفيس في هذه المسألة أطال فيه مناقشة الزمخشري في رأيه، غير أن السيد الجرجاني انتصر للزمخشري في حاشيته على " الكشاف " بإيضاح لا يدع مجالا للشك في أن الزمخشري لم يرد برأيه هذا نصرة مذهبه في خلق الأفعال، فإن اختصاص الجنس يستلزم اختصاص أفراده أيضا، إذ لو وجد فرد منه لغيره ثبت الجنس له في ضمنه وإنما اختار الزمخشري الجنس على الاستغراق لأنه يستفاد من جوهر الكلام، ويستلزم اختصاص جميع الأفراد، فلا حاجة في تأدية المقصود من إثبات الحمد له تعالى وانتفائه عن غيره إلى أن يلاحظ بمعونة الأمور الخارجية، بل يكون على ما اختاره اختصاص الأفراد بطريق برهاني فيكون أقوى من إثباته ابتداء.
وإذا كان إفراد الحمد على كلا القولين مختصة بالله سبحانه فإن في ذلك ما يفيد أن جميع النعم لا تصدر إلا عنه
وما بكم من نعمة فمن الله
[النمل: 53] وفي تذكير الإنسان بذلك تحرير لرقبته من الذل لغير الله تعالى، ورفع للرؤوس حتى لا تتطأطأ لغير عزته وكبريائه، ورفع من معنوية الإنسان فلا يتعلق قلبه بغير الله سبحانه.
وجملة " الحمد لله " قيل إنها خبرية يراد بها الإخبار عن كون جميع المحامد لله سبحانه وقيل هي خبرية لفظا، إنشائية معنى، والظاهر أن معناها يحتمل الخبر والإنشاء بحسب قصد المتكلم بها، وأما لفظها فخبري قطعا.
" الرب " مأخوذ من ربه يربه بمعنى نماه أو أصلحه أو ملكه، ويقال أيضا رببه وربته ورباه، ويطلق الرب على الملك كقول النابغة: -
تخب إلى النعمان حتى تناله
Página desconocida