127

فإن قيل: ما أنكرتم أن يكون من تأمل قول الله عز وجل: { وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين (44) } [هود] ، وقوله سبحانه: { والنجم إذا هوى (1) ما ضل صاحبكم وما غوى (2) وما ينطق عن الهوى (3) إن هو إلا وحي يوحى (4) } [النجم] ، وقوله عز وجل: { في سدر مخضود (28) وطلح منضود (29) وظل ممدود (30) وماء مسكوب (31) } [الواقعة] . عرف ما ادعيناه ، من أن فصاحة القرءان وقعت على وجه انتقضت به العادة ؟!

قيل له: نحن لا ننكر أن ألفاظ هذه الآيات جزلة واقعة في أعلى طبقات الفصاحة من جهة الجزالة ، إلا أن بين أن يكون الكلام كذلك ، وبين أن تنتهي فصاحته إلى حيث تنتقض العادة بون (¬1) ، وهذه الآيات لا يكاد يذكرها إلا المتكلم الذي لا يتصور من أقسام الفصاحة إلا جزالة اللفظ .

وذلك لعمري قسم منها عظيم الموقع ، وإن كانت أقسام الفصاحة كثيرة متنوعة ، على ما نذكرها ونبينها بعد الفراغ من هذا الفصل ، وإنما صار هذا القسم يشترك في العلم به من خفت بضاعته في معرفة كلام العرب أو توفرت ، لأن لها حلاوة تدرك من جهة السمع ، كما أن للألوان المخصوصة كالصفرة والخضرة ونحوهما حلاوة تدرك من جهة البصر ، وكذلك ما يختص سائر الحواس ، وليس كذلك سائر أقسام الصناعات ، لأن العلم بها مفتقر إلى العلم بطرائق العرب في منظوم كلامهم ومنثوره ، وجهات تصرفهم فيها ، وكثير من أحوال لغاتهم وعاداتهم في إيرادها .

Página 179