واعلم أنه لا ينبغي للعبد أن يقوم بين يدي مولاه في أولى الخدم وأعلاها وأشرفها وأسناها ومع ذلك هو يخطب إليه أكرم جواريه عليه، ويطلب منه أعظم الممالك لديه، وهو مسئ إليه ومجترم عليه، وقد قتل خواص أهل خدمته، وأهلك أجلاء أهل دولته، واصطفى الأموال، وتحمل الأثقال، فإنه عبد سوء مشؤوم، مستخف به ملوم، مسخور به مغرور، لا يأمن من سيده أن ينزعه من خدمته، ويحكم بعقوبته، فإن كان هكذا، فينبغي أن لا يقوم بين يديه يطلب منه حوائجه إليه إلا وهو متطهر من الذنوب، خال عن جميع العيوب، فحينئذ ينظر إليه مولاه ويعطيه سؤله ومناه، فلهذا ينبغي تقدمة الإرشاد إلى النجاة بترك السيئات قبل ذكر أحوال الطاعات.
واعلم أنه لا يتم لك كمال الارتسام لربك، والانقياد إلا بحسن المعاشرة مع العباد، فإنك عبد من عباده لا تشرف عنده على سائر خدمه إلا بالموافقة له في جميع مراده، ومن جملة مراده حسن المعاشرة مع عباده بما يرضىه فلا تحسبن أنك تزيد عليهم عنده بحسن الصورة، وكمال الخلقة، أو بياض الوجه وسواد الشعر، أو بكثرة الحذق، أو بحدة البصر، كلا فإن ذلك فيك من فعل الملك الجبار، اختصك به للإبتلاء والاختبار، لينظر كيف شكرك فيما أعطيت، وصبرك فيما به ابتليت، فأنت وسائر عباده عنده بمنزلة واحدة باعتبار العبودية، وإن اختلفتم في المرتبة باعتبار الانقياد في جميع المراد، وهذه حالة الواحد منا في خدمه، فإنهم عنده على سواء في اعتبار الرق، وانما يختلفون بحسب الجريان في ميدان المراد، فأعدلهم فيهم، وأحسنهم معاشرة لهم هو الأحب منهم عند مولاه، والأرفع عند مولاه على سائر خدمه، وكذلك عبيد الخدمة الإلهية يجرون هذا المجري فافهم ذلك.
Página 14