بالقتال من قوله -تعالى-: ﴿وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً﴾ [التوبة: ٣٦]، وقوله
-تعالى-: ﴿انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالًا﴾ [التوبة: ٤١]، و﴿إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ﴾ [التوبة: ٣٩]، و﴿مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللَّهِ وَلاَ يَرْغبُواْ بِأَنْفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ﴾ [التوبة: ١٢٠]؛ فقيل: كان فرض الجهاد في أول الأمر على جميع المسلمين كافة؛ إلا من عَذَرَه الله -تعالى-، ثم نسخ ذلك بالكفاية، قال الله -تعالى-: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ﴾ [التوبة: ١٢٢]، رُوي ذلك عن ابن عباس؛ خرَّجه عنه أبو داود (١) .
_________
(١) في «سننه» في كتاب الجهاد (باب في نسخ نَفير العامَّة بالخاصة) (رقم ٢٥٠٥)، ومن طريقه ابن الجوزي في «نواسخ القرآن» (ص ١٧٥) من حديث عكرمة، عن ابن عباس.
وقال شيخنا الألباني ﵀ في «صحيح سنن أبي داود»: «حسن» .
وأخرجه أبو عبيد في «الناسخ والمنسوخ» (ص ٢٠٥/ رقم ٣٨٥) -ومن طريقه ابن المنذر في «التفسير» (٢/٧٨٥-٧٨٦) (رقم ١٩٨٥) من حديث عطاء الخراساني، عن ابن عباس. وفيه زيادة أن ابن عباس قال: تنفر طائفة وتمكث طائفة مع النبي ﷺ. قال: فالماكثون: هم الذين يتفقهون في الدين وينذرون إخوانهم إذا رجعوا إليهم من الغزو بما نزل من قضاء الله وكتابه وحدوده. اهـ. وروى نحوه ابن أبي حاتم في «التفسير» (٣/٩٩٨) (رقم ٥٥٨٢)، والبيهقي في «الكبرى» (٩/٤٧) في كتاب السير (باب النفير وما يستدل على أن الجهاد فرض على الكفاية) . فمذهب ابن عباس ومقصده في النسخ فيما إذا خرجت سرية للجهاد، ولكن إذا احتيج للمسلمين: لم يسع أحدًا التخلف عن الجهاد.
وما ذهب إليه المصنف من عدم النسخ هو الصواب، وهو مذهب جمهور العلماء.
قال أبو جعفر النحاس في «الناسخ والمنسوخ» (ص ٢٠٩) في قوله تعالى: ﴿مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللَّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنْفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ﴾ [التوبة: ١٢٠] قال: مذهب ابن زيد أنه نسخها ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَافَّةً﴾ [التوبة: ١٢٢]، ومذهب غيره أنه ليس ها هنا ناسخ ولا منسوخ، وأن الآية الأولى توجب إذا نفر النبي ﷺ، أو احتيج إلى المسلمين واستنفروا: لم يَسع أحدًا التخلف، وإذا بعث النبي ﷺ سرية تخلَّفت طائفة، وهذا مذهب ابن عباس والضحّاك وقتادة. اهـ. كلامه. ومذهب ابن زيد ذكره ابن العربي المالكي في «الناسخ والمنسوخ» (ص ٢٦٣)، وابن أبي زيد القيرواني في «النوادر والزيادات» (٣/١٨) .
وذهب إلى النسخ -أيضًا-: الإمام المازري كما في «الذخيرة» (٣/٣٨٥)، والنحاس في «معاني القرآن» (١٠٥٨)، وغيرهم. =
1 / 25