كُلُّهُ لله﴾ [الأنفال: ٣٩]، وقال -تعالى-: ﴿وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ [التوبة: ٣٦] (١) .
فصلٌ: في بيان ما استقرّ عليه الأمر بالجهاد
اختلف أهل العلم في مقتضى الآيات الواردة بالتشديد والتعميم في الأمر
_________
(١) ذكر الإمام ابن جرير في «التفسير» (٢/١٨٩-١٩٠) قول من قال بالنسخ، وقول من قال: يقاتل من قاتله، ويكفّ عمَّن كفَّ عنه، حتى نزلت آية التوبة. وأخرج بسنده إلى سعيد بن عبد العزيز قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى عديّ بن أرطاة: إني وجدت آية في كتاب الله ﴿وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [البقرة: ١٩٠] أي: لا تقاتل من لا يقاتلك، يعني: النساء، والصبيان، والرهبان.
ثم قال: وأولى هذين القولين بالصواب: القول الذي قاله عمر بن عبد العزيز؛ لأن دعوى المدعي نسخ آية يحتمل أن تكون غير منسوخة بغير دلالة على صحة دعواه تحكم، والتحكم لا يعجز عنه أحد.
فتأويل الآية إذا كان الأمر على ماوصفنا: وقاتلوا أيها المؤمنون في سبيل الله، وسبيله: طريقه الذي أوضحه، ودينه الذي شرعه لعباده، يقول لهم تعالى ذكره: قاتلوا في طاعتي، وعلى ما شرعت لكم من ديني، وادعوا إليه من ولى عنه، واستكبر بالأيدي والألسن، حتى ينيبوا إلى طاعتي، أو يعطوكم الجزية صغارًا إن كانوا أهل كتاب. وأمرهم -تعالى ذكره- بقتال من كان فيه قتال من مقاتلة أهل الكفر دون من لم يكن فيه قتال من نسائهم وذراريهم، فإنهم أموال وخول لهم إذا غلب المقاتلون منهم فقهروا، فذلك معنى قوله: ﴿وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٠]؛ لأنه أباح الكفّ عمن كفّ، فلم يقاتل من مشركي أهل الأوثان والكافين عن قتال المسلمين من كفار أهل الكتاب، على إعطاء الجزية صغارًا.
فمعنى قوله ﴿وَلاَ تَعْتَدُواْ﴾: لا تقتلوا وليدًا ولا امرأة ولا من أعطاكم الجزية من أهل الكتابين والمجوس، ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾: الذين يجاوزون حدوده. فيستحلون ماحرمه الله عليهم من قتل هؤلاء الذين حرم قتلهم من نساء المشركين وذراريهم.
وانظر: «تفسير ابن كثير» (١/٢٤٢) .
وسيأتي في الباب كلام للمصنف أنه لا نسخ في آية القتال ولا آية الكف، ولا المنّ ولا الفداء، وأنها كلها محكمة، وأن إعمال بعض الآيات دون بعض يكون في بعض المواطن في القتال دون بعض، وأن هذا راجع إلى رأي الإمام في ذلك، وهو الصواب، والله الموفّق والهادي.
1 / 24