الوجه الثاني: أن نقول: في نفس هذا الحديث ما يدل على أنه كذب من وجوه كثيرة؛ فإن فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان بغدير يدعى خما نادى الناس فاجتمعوا، فأخذ بيدي علي وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، وأن هذا قد شاع وطار بالبلاد، وبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري، وأنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم على ناقته وهو في الأبطح، وأتى وهو في ملأ من الصحابة، فذكر أنهم امتثلوا أمره بالشهادتين والصلاة والزكاة والصيام والحج، ثم قال: "ألم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك تفضله علينا؟، وقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه؟ وهذا منك أم من الله؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هو من أمر الله".
فولى الحارث بن النعمان يريد راحلته، وهو يقول: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر، فسقط على هامته، وخرج من دبره فقتله، وأنزل الله: { سأل سائل بعذاب واقع، للكافرين } [المعارج: 1، 2] الآية.
يقال لهؤلاء الكذابين: أجمع الناس كلهم على أن ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم بغدير خم كان مرجعه من حجة الوداع. والشيعة تسلم هذا، وتجعل ذلك اليوم عيدا وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة. والنبي صلى الله عليه وسلم لم يرجع إلى مكة بعد ذلك، بل رجع من حجة الوداع إلى المدينة، وعاش تمام ذي الحجة والمحرم وصفر، وتوفى في أول ربيع الأول.
وفي هذا الحديث يذكر أنه بعد أن قال هذا بغدير خم وشاع في البلاد، جاءه الحارث وهو بالأبطح، والأبطح بمكة، فهذا كذب جاهل لم يعلم متى كانت قصة غدير خم.
وأيضا فإن هذه السورة - سورة سأل سائل - مكية باتفاق أهل العلم، نزلت بمكة قبل الهجرة، فهذه نزلت قبل غدير خم بعشر سنين أو أكثر من ذلك، فكيف تكون تزلت بعده؟.
Página 46