وأيضا فكل من له أدنى علم وإنصاف يعلم أن المنقولات فيها صدق وكذب، وأن الناس كذبوا في المثالب والمناقب، كما كذبوا في غير ذلك، وكذبوا فيما يوافقه ويخالفه.
ونحن نعلم أنهم كذبوا في كثير مما رووه في فضائل أبي بكر وعمر وعثمان، كما كذبوا في كثير مما رووه في فضائل علي، وليس في أهل الأهواء أكثر كذبا من الرافضة، بخلاف غيرهم، فإن الخوارج لا يكادون يكذبون، بل هم من أصدق الناس مع بدعتهم وضلالهم.
وأما أهل العلم والدين فلا يصدقون بالنقل ويكذبون به بمجرد موافقة ما يعتقدون، بل قد ينقل الرجل أحاديث كثيرة فيها فضائل النبي صلى الله عليه وسلم وأمته وأصحابه، فيردونها لعلمهم بأنها كذب، ويقبلون أحاديث كثيرة لصحتها، وإن كان ظاهرها بخلاف ما يعتقدونه: إما لاعتقادهم أنها منسوخة، أو لها تفسير لا يخالفونه. ونحو ذلك.
فالأصل في النقل أن يرجع فيه إلى أئمة النقل وعلمائه، ومن يشركهم في علمهم علم ما يعلمون، وأن يستدل على الصحة والضعف بدليل منفصل عن الرواية، فلابد من هذا وهذا. وإلا فمجرد قول القائل: "رواه فلان" لا يحتج به: لا أهل السنة ولا الشيعة، وليس في المسلمين من يحتاج بكل حديث رواه كل مصنف، فكل حديث يحتج به نطالبه من أول مقام بصحته.
ومجرد عزوه إلى رواية الثعلبي ونحوه ليس دليلا على صحته باتفاق أهل العلم بالنقل. ولهذا لم يروه أحد من علماء الحديث في شيء من كتبهم التي ترجع الناس إليها في الحديث، لا في الصحاح ولا السنن ولا المسانيد ولا غير ذلك، لأن كذب مثل هذا لا يخفى على من له أدنى معرفة بالحديث.
Página 44