قلت: ليست الدنيا قصصا، إنما الدنيا كفاح ورسالة، ومع ذلك، سأكتب لك قصة تحوي غراما وزواجا.
قال: وكيف ذلك؟
قلت: هاك خلاصة القصة: كان «أندريه أوجست» طالبا في كلية العلوم في السوربون في باريس، وكان البحث العلمي يستوعب كل وقته في النهار والليل، لا يكاد يجد في اليوم كله سوى خمس أو ست ساعات للنوم، وتخرج في السوربون، وأسس معملا صغيرا للتجارب في الدجاج والفئران والديدان، وكان هدفه أن يصل إلى الغذاء الذي يجدد الأنسجة فيطيل العمر، كما يقي من المرض، وبعد آلاف التجارب نجح في الاهتداء إلى هذا الغذاء، وفي يوم نجاحه غمره الهوى حتى صار يرقص! أفلا تعترف معي بأن هذا الغرام بإيجاد غذاء يأكله كل الناس وتزيد أعمارهم به إلى الضعف خير من الغرام بالمرأة؟
قال: أجل، خير ألف مرة.
قلت: ولكن اسمع، فإن «أندريه أوجست» كان مع غرامه هذا بالعلم قد تعرف إلى فتاة، وكانت تزوره وهو بالمعمل، ولم يكن يلتفت إليها أيام بحثه قبل اهتدائه إلى الغذاء المضاعف للعمر، أما بعد ذلك فقد شرع يرفه عن نفسه؛ فصار يزور الملاهي معها، ويجالسها ويتحدث إليها كثيرا، وأعادت إليه شبابه المنسي فأغرم بها.
قال: هذه طوالع حسنة للقصة؛ قصة بلا حب للمرأة ليست قصة.
قلت: ولكنك لم تستمع إلى آخرها! فإن «أوجست» كان قد فكر كثيرا في الانتفاع بهذا الغذاء، وكان يجد في أزمة العالم الحاضرة أن غذاءه الرخيص الذي يمكن أية عائلة في العالم أن تطبخه وتأكله، هذا الغذاء لا فائدة منه ما دام العالم يحارب ويقتل بعضه بعضا؛ وخاصة عندما نعرف أن الحرب القادمة قد تقتل ربع البشر أو نصفهم، ولهذا السبب أعلن عن غذائه، وشرط أنه لن يفضي بالسر الخاص بتركيبه إلا للأمة التي تقدم البراهين العملية على أنها لا تنوي الحرب ولا تستعد لها.
فقال سكرتير التحرير: هذا رجل عظيم!
وقلت: لما أحب هذه الفتاة جعلت تغريه بجمالها كي يفشي لها سر الغذاء، ولم يكن قصدها سيئا، وإنما هي شهوة الاستطلاع العلمي فقط، وأفشى لها السر؛ للحب الوثيق بينهما.
فقال: وماذا فعلت به؟
Página desconocida