132

باب حقيقة معرفة العدل

اعلم أن معنى قولنا: (إن الله عدل) هو أنه منزه عن صفات النقص في أفعاله، وهو أنه لا يفعل القبيح، ولا يرضاه، ولا يحبه، ولا يريده، ولا يجبر العبد عليه، ولا يكلف أحدا فوق طاقته، وأنه لا يمنع المكلف الاستطاعة، وأنه لا يجور ولا يظلم أحدا، ولا يكذب، ولا يخلف الوعد والوعيد.

والدليل على أنه منزه عن هذه الصفات التي توجب النقص من طريق العقل أنه قد ثبت أن الله عالم لنفسه، قادر، حكيم، غني، فثبت أن العالم القادر الحكيم الغني لا يفعل القبيح، ولا يرضاه، ولا يأمر به، والعقل يشهد أن فعل القبيح قبيح، وأن من أمر به أو رضي بفعله يكون كمن فعل القبيح . والعقل أيضا يحكم ويشهد على أنه لا يفعل القبيح إلا من جهل قبحه، أو احتاج إلى فعل القبيح لشهوة داعية، أو غضب مؤذ، أو طمع فيما لا يجوز، أو سفاهة أو سخف رأي، أو استماع مشورة مضل أو جاهل.

فمن كان فيه بعض هذه الصفات لم يؤمن منه فعل القبيح، أو الرضى به، أو الأمر به، مع ان فاعله وإن كان بهذه الصفات مذموما بفعله للقبيح، أو أمره به، أو رضاه به.

Página 189