En busca de la corona
في سبيل التاج
Géneros
وبالجملة فرواية «في سبيل التاج» كتاب الوطنية الخالدة في ثوب قصة خيالية تملك لب القارئ بجمالها، وتتولى تهذيب نفسه بآدابها وفضائلها، وما أحوجنا أن تجري الأقلام الأدبية في هذا العصر بمثل ما جرى به قلم السيد المنفلوطي في هذه المأساة المؤثرة؛ ليتلقى النشء الحديث دروس وطنيته من طريق العواطف والوجدان، وقلما تصل الوطنية إلى أعماق القلوب وتتغلغل في شغافها إلا من هذا الطريق.
حسن الشريف
أول يونيو سنة 1920
مقدمة المؤلف
لا يزال التاريخ يحفظ في صفحاته حتى اليوم تلك الوقائع الحربية الهائلة التي وقعت في القرن الرابع عشر بين الدولة العثمانية والشعوب البلقانية أيام أغارت الأولى على الثانية تريد افتتاحها والاستيلاء عليها، فدافعت الثانية عن نفسها دفاعا مجيدا استمر زمنا طويلا حتى غلبت على أمرها فسقطت في يد القوة القاهرة، ودخل الترك أرض البلقان وحولوا كنائسها إلى مساجد، وفرضوا على أهلها الإتاوات الثقيلة، وعزلوا ملكها الذي كان يحاربهم ويناوئهم، وملكوا عليها ملكا من أهلها اسمه «ميلوش»، فلبثت في حكم الأتراك عهدا طويلا عانت فيه من ضروب الذل والهوان ما يعانيه كل شعب مغلوب على أمره، حتى قيض الله لها رجلا من رجال الدين المخلصين اسمه الأسقف «أتين» عز عليه ضياع بلاده وسقوطها في يد أعدائها، وأن تتحول فيها الكنائس إلى مساجد، وتجأر في أرجائها أصوات المؤذنين بدلا من أصوات النواقيس، وألا يجد المسيحيون في عقر ديارهم مكانا يؤدون فيه فروض صلواتهم غير الصحارى والفلوات، فأخذ يتنقل في أرجاء البلاد، ويمشي بين شعوبها وقبائلها يدعو باسم الدين مرة والوطنية أخرى، ويستنهض همم الرجال للدفاع عن وطنهم وتحرير بلادهم من يد ذلك القاهر المغتصب، حتى جمع كلمة الأمة كلها من حوله على اختلاف عناصرها ومذاهبها، وكذلك تتفق كلمة الأمة أمام الخطر الداهم والقضاء الشامل.
ثم أشار على ملكه أن يخلع طاعة الترك، ويطرد رعاياهم من بلاده، ويمتنع عن دفع الجزية والإتاوة، وينادي بحرية البلقان واستقلاله، فجبن الملك عن ذلك في أول الأمر، ثم أسلس له وأذعن لرأيه، ففعل ما أشار به عليه، فأحقد ذلك الترك وآسفهم، واستثار حقدهم وضغينتهم، فوجهوا إلى البلاد البلقانية جيشا عظيما وافر العدة والعدد بقيادة أحد أبطالهم العظام أرطغرل باشا، فثار البلقانيون جميعا رجالا ونساء للدفاع عن أنفسهم والذود عن وطنهم، واختاروا لقيادة جيشهم القائد البلغاري العظيم الأمير ميشيل برانكومير، فظل يحارب الأتراك عدة أعوام يدال له عليهم فيها ويدال لهم عليه، ولكنهم لا يستطيعون اجتياز حدود بلاده واقتحام جبالها، حتى عي القائد التركي بأمره، ورأى ألا حيلة له فيه إلا من طريق الدسيسة والكيد، وكذلك فعل.
الجاسوس
اجتمع جنود الفرقة البلقانية ذات ليلة في معسكرهم يشربون ويطربون ويرقصون على نغم قيثار الموسيقار البوهيمي المسكين «بانكو»، الذي كان يفد إلى معسكرهم كل ليلة يغنيهم قطعا حماسية مؤثرة يذكرهم فيها بمجد وطنهم وتاريخه العظيم، فيرقصون على غنائه ويطربون ويحسنون إليه بما فضل من زادهم وشرابهم، ثم جلسوا بعد فراغهم يتحدثون في شأن ذلك الحادث العظيم الذي حدث في بلادهم منذ أيام، وهو موت الملك ميلوش، وعزم الجمعية الوطنية على الاجتماع للنظر فيمن يخلفه على العرش من بعده، فانقسموا في رأيهم قسمين: فريق يرى اختيار الأسقف أتين، وفريق يرى اختيار القائد برانكومير، فقال الجندي الروماني «أورش» - وهو من أشياع الأسقف وأنصاره: «نعم، إن النصر قد تم لنا على يد قائدنا العظيم ميشيل برانكومير، ولكن من الذي مهد له النصر وأعد له عدته قبل أن يعقد له اللواء على الجيش؟ أليس الأسقف أتين؟
من الذي ينكر أن ذلك الرجل التقي الصالح هو الذي طاف البلاد من أقصاها إلى أقصاها عشرة أعوام كاملة يستنهض الهمم، ويستثير حفائظ النفوس، ويستحيي ميت العزائم، ويهيج عاطفة الثأر والانتقام في نفوس الرجال والنساء والفتيان والفتيات، ويلقي على تلاميذ المدارس في مدارسهم أناشيد الحرية والوطنية، فيستظهرونها مع دروسهم، ويتغنون بها في مسارحهم وملاعبهم، ومغداهم ومراحهم؟
من الذي ينكر أنه هو الذي علم الشعب البلقاني دروس الوطنية الشريفة العالية، وغرس في قلوبهم أن الحياة الذليلة خير منها الموت الزؤام، وأن الحرية حياة الأمم وروحها، والرق موتها وفناؤها، وأن الأمة التي ترضى بضياع حريتها واستقلالها، وتقبل أن تضع يدها في يد غاصبها إنما هي أحط الأمم وأدناها وأحقها بالزوال والفناء؟
Página desconocida