En busca de la corona
في سبيل التاج
Géneros
إن نفثات قلم هذا الشاعر قد أثرت في جميع القلوب وتمكنت منها؛ لأن أساسها الطبيعة، وأحسن ما يبرع في الكتابة عنه ويصل فيه إلى أعلى طبقات البلاغة ما كان له مساس بالمشاعر والأخلاق الاعتيادية والحقائق الواقعة. وهذا النوع من الكتابة لا يتيسر إلا لأصحاب الأذواق السليمة والذكاء المتوقد الخارق، وهو يحتاج إلى مهارة فائقة وبراعة زائدة، فإن أقل خطأ فيه لا يلبث أن يبدو للعيان مجسما، وإن في استطاعة كل إنسان مهما كانت منزلته من العلم أن يفهم هذا الشاعر ويتأثر بأغراضه ومراميه، ولكن لا يستطيع أن يسبر كنهه ويتذوق طعم أدبه إلا من رزق حظا وافرا من العلم والذوق السليم، وبالجملة فقراء هذا الشاعر كثيرون جدا، ومن جميع الطبقات، ولكن قراءه الحقيقيين قليلون.
أما رواية «في سبيل التاج» التي نحن بصددها فمأساة شعرية تمثيلية وضعها المؤلف في سنة 1895، وأراد أن يجاري بها عميدي الشعر التمثيلي في القرن السابع عشر: كورني وراسين، وهي رواية أخلاقية بطلها فتى تعارضت في نفسه عاطفتان قويتان: حب الأسرة، وحب الوطن، فضحى بالأولى فداء للثانية، ثم ضحى بحياته فداء لشرف الأسرة. ولقد تجلت في هذه المأساة عبقرية الشاعر ومواهبه الكبيرة، فالأسلوب سهل ممتنع، والأفكار متسلسلة متماسكة، والوقائع جلية واضحة، وأخلاق أشخاص الرواية تفسرها أقوالهم وحركاتهم، فلا غموض فيها ولا إبهام.
ولقد ذهب النقاد في تقدير هذه المأساة مذاهب شتى، حتى قال بعضهم: إنها خير ما أخرج للناس من عهد راسين إلى يوم ظهورها.
قال الأستاذ «إيميل فاجيه» العضو بالمجمع العلمي الفرنساوي عن هذه الرواية في الجزء الثالث من كتابه «آراء في التمثيل» ما معناه:
إذا نظرنا إلى ما في الفصول الثلاثة الأولى من القوة والمتانة والوضوح مع البيان والبلاغة وحسن التصوير، أمكننا أن نحكم بأن هذه الرواية ستمثل إلى ما شاء الله بدون أن يملها الجمهور أو يشعر بسأم من سماعها، وأن «فرانسوا كوبيه» بكتابته للفصل الثالث منها على الأخص قد ضمن لذكراه الخلد في ذاكرة الأجيال المقبلة، وهو الفصل المعنون في التعريب بعنوان «الجريمة».
وقال الأستاذ «جول لومتر» العضو بالمجمع العلمي الفرنساوي في الجزء التاسع من كتابه «خواطر في التمثيل» - بعد أن أطنب في وصف شاعرية كوبيه وفي تقدير مواهبه: إن رواية «في سبيل التاج» لهي من صنع فتى قدير وشاعر عظيم، ورجل ذي ضمير حي وقلب كبير، وإذا كان فيها بعض النقص فهذا النقص لم يخل منه كورني ولا فيكتور هوجر ولا غيرهما من كبار الفنيين.
وقال في موضع آخر من نفس الكتاب: إن المشاهد لتمثيل رواية «في سبيل التاج» ليشعر منذ الهنيهة الأولى براحة واطمئنان، ثم لا يلبث حتى يتأكد أنه سيشاهد عملا متقنا وفنا نظيفا، ولقد يكون أحسن ما في هذه القطعة تنسيق الأفكار، وتحليل العواطف، وترتيب الحوادث، وتصوير النفوس والأشخاص.
هذا رأي كبيرين من زعماء الحركة الأدبية في فرنسا، نورده هنا ليعلم القراء منزلة هذه الرواية من نفوس الأدباء في الغرب ومبلغ تقديرهم لمؤلفها.
ولقد تناول السيد مصطفى لطفي المنفلوطي هذه المأساة، ونقل موضوعها إلى اللغة العربية في قالب روائي جميل بعد أن أضاف إليها أشياء وحذف منها أخرى، وأخرجها لقرائه قصة يستهوي أسلوبها القلوب، وتسترعي وقائعها الألباب، بقلم عذب، وعبارة رقيقة، وديباجة بديعة لا نطيل الكلام في وصفها؛ لأن قراء العربية جميعا يعرفونها لهذا الكاتب العظيم، ويعترفون له بها، ولم يفته أن ينقل إلى العربية قطعا كاملة من الرواية يستطيع القارئ أن يتبين منها قوة المؤلف، ومع أن الرواية ملخصة تلخيصا، فقد استطاع الكاتب بمهارة فائقة أن يصور الروح الأصيلة للمؤلف تصويرا مؤثرا، وأن يملك من نفوس قراء العربية ما ملكه فرانسوا كوبيه من نفوس قراء الفرنسية.
ولا يفوتنا هنا أن نقول: إن الكاتب قد اشتغل بتلخيص هذه الرواية في إبان الحركة الوطنية الأخيرة، ولقد أوحت إليه الحوادث السياسية التي لا تزال ماثلة في الأذهان صفحات تفيض وطنية وغيرة، حتى لكأنه قد أفضى إلى أمته في هذا الكتاب بكثير مما لا يستطيع كتابته في الصحف السياسية، والحق أقول: إننا كثيرا ما كنا نعتب عليه في سكوته عن الاشتراك بقلمه مع العاملين في هذه الحركة حتى قرأنا هذه الرواية، فإذا روحه الوطنية الشريفة تسيل فوق صفحاتها سيلا، وإذا الرواية رواية الحركة الحاضرة بجميع ظروفها ومتعلقاتها.
Página desconocida