La filosofía: sus tipos y problemas
الفلسفة أنواعها ومشكلاتها
Géneros
نستطيع أن ندرك على الفور أن صحة هذا المنهج تتوقف على شيئين: صحة استدلالنا، وطبيعة بديهياتنا ومصادرتنا الأصلية. فقد أثبتت التجارب أن الذهن البشري يستطيع، بشيء من التدريب، أن يصل إلى مستوى رفيع من الدقة في استخدام الاستدلال الاستنباطي. ونتيجة لذلك فإن كل الهجمات الموجهة إلى المذهب العقلي قد تركزت كلها تقريبا حول مشكلة الوصول إلى مقدمات تكون من الصلابة بحيث تستطيع تحمل الثقل الهائل الذي سيرتكز عليها في سلسلة الاستنباطات. هذه البديهيات الأصلية تستمد عادة في الرياضيات، كما قلنا من قبل، من «الموقف الطبيعي»، أو (في نظر العقليين) من مبادئ أساسية واضحة متميزة ذات يقين حدسي. وهذه المبادئ بدورها ينظر إليها على أنها صادرة عن «النور الطبيعي للعقل» أو تركيب الفكر ذاته، وهي لا تحتاج إلى ضمان أكثر مما يقدمه وضوحها الذاتي. ويعد الاستقلال المزعوم لهذه المبادئ عن أي أصل تجريبي صفة ذات أهمية عظمى بالنسبة إلى المذهب العقلي. فهي تعد أولية، أو سابقة على التجربة، وهي في نظر العقل غير معتمدة على التجربة، بل إن التجربة هي التي تعتمد عليها؛ ذلك لأن ما يصدق على المعرفة الرياضية يسري (في نظر صاحب المذهب العقلي) على كل معارفنا النهائية التي قد تكون كذلك مستمدة بالاستنباط من مبادئ أولى ذات أصل عقلي محض. ومن هنا فإن في استطاعة معرفتنا النهائية، إذا توافرت الشروط اللازمة، أن تبلغ درجة اليقين التي نجدها في نظريات إقليدس.
ويكاد يكون من المؤكد أننا، عندما نفحص قائمة الحقائق الأولية التي شهدت عليها المذاهب العقلية المتعددة في الفلسفة، سوف ندهش للافتقار إلى الاتفاق بينها. وقد يعيننا ذلك على تذكر مسألة أشرنا إليها من قبل في فصل سابق: ألا وهي أن «الوضوح الذاتي» لفظ يسهل استعماله، ولكنه واقعة يصعب إثباتها. فما هو واضح بذاته بالنسبة إليك قد لا يكون كذلك بالنسبة إلي. وفضلا عن ذلك فإن الأولية
A
هي بدورها أمر يصعب إثباته: فالمبدأ الذي يراه العقل سابقا على التجربة، كثيرا ما يكون في نظر التجريبي مستمدا من التجربة، وإن يكن ذلك بطريق غير مباشر، وربما لا شعوري. ومع ذلك فهناك على الأقل عدد قليل من هذه المبادئ العامة متفق عليه بين العقليين، وهذه المبادئ تعد شرطا أساسيا لكل تفكير ولكل وجود. وفضلا عن ذلك فإن هذه المبادئ العامة لا تعد سابقة على التجربة فحسب، بل تعد أيضا خارجة عن التجربة. وهي لا تفهم إلا بالحدس (وهنا يكون منهج المذهب العقلي موازيا لمنهج الصوفية)؛ ومن هنا كانت تعطينا معرفة للواقع الحقيقي لا يعطينا إياها أي قدر من الإدراك الحسي. وهكذا فإن المعرفة العقلية تختلف كيفيا عن المعرفة التجريبية.
مبدأ عدم التناقض : لعل أهم هذه المبادئ العقلية الأولية الشاملة هو «قانون عدم التناقض». وينص هذا القانون، باختصار، على أن القضيتين المتناقضتين لا يمكن أن تكونا صادقتين معا، أو بلغة المنطق، فمن المحال أن يكون الشيء ولا يكون في نفس الآن، أو أن يكون الشكل دائرة ومربعا معا. وقد نظر أرسطو، ومعه كل المناطقة الصوريون منذ عهده، إلى مبدأ عدم التناقض هذا على أنه أهم قوانين الفكر جميعا. غير أن المبتدئ في دراسة الفلسفة قلما يتأثر بهذا المبدأ إلى هذا الحد؛ فرد الفعل المعهود لدى الطالب هو: «يا للحمق - إن هذا شيء واضح بذاته!» وهذا ما يرد عليه صاحب المذهب العقلي بقوله: «بالضبط! وهو فضلا عن ذلك ليس مستمدا من التجربة بعملية تعميم، فهو مبدأ أولي، تفهمه كل الأذهان السوية بالحدس. وهو يتيح لنا، على هذا الأساس، معرفة أكثر يقينية مما يمكن أن يتيحه أي تعميم بحت من التجربة.»
أمثلة أخرى للمنهج العقلي : هناك مثال آخر لتطبيق المذهب العقلي، يتميز بأنه أقل تجريدا من المثال السابق، وهو الدليل الأنطولوجي المشهور على وجود الله. ونظرا إلى أننا سنذكر المزيد عن هذا الدليل عندما نبحث في مشكلة الله في الفصول الأخيرة من هذا الكتاب، فلا داعي، في هذا الموضوع، إلا إلى تقديم عرض مختصر لهذه الحجة. فتصور الله هو تصور كائن كامل - بل هو أكمل كائن نستطيع تصوره. مثل هذا الكائن، إذا كان كاملا إلى هذا الحد، لا ينبغي أن يكون مفتقرا إلى صفة من صفات الكمال. فهو إذا كان مثلا يفتقر إلى الوجود، فإن الكائنات الأخرى التي تتصف بالوجود تكون أكمل منه. ومن هنا، فلما كانت قوانين الفكر تقضي بألا يكون هناك سوى كائن واحد هو «الأكمل» فلا بد أن يكون الله موجودا. وهكذا يثبت وجود الله تصوريا ؛ أي من تعريف لفظ «الله» ذاته. وقد عرف أحد الكتاب المذهب العقلي بأنه: «النظرية القائلة إن المعرفة تكتسب بمقارنة الأفكار بأفكار أخرى، أو بالاختصار، أننا نعرف ما أمعنا فيه الفكر».
6
والواقع أن الحجة الأنطولوجية التي عرضناها الآن تمثل هذه العملية أصدق تمثيل: ففي رأي العقليين أن المعرفة الحقة تأتي من قدح فكرتين أو أكثر سويا - وهما في هذه الحالة فكرتا «الكمال» و«الوجود». (5) مصادر المعرفة: المذهب التجريبي
الخصم المألوف للمذهب العقلي في المعركة الدائرة بين النظريات المختلفة للمعرفة هو المذهب التجريبي، الذي عرفناه بأنه المذهب القائل إن المصدر النهائي لكل معرفة هو التجربة أو الإحساس. ولنقتبس مرة أخرى عبارة أخرى عرف بها الكاتب نفسه المذهب التجريبي بأنه يرى «أننا نعرف ما اهتدينا إليه».
7
Página desconocida