شرح العقيدة الطحاوية - يوسف الغفيص
شرح العقيدة الطحاوية - يوسف الغفيص
Géneros
أصلان مهمان في باب الأسماء والصفات
وهنا أصلان مهمان من كلام شيخ الإسلام في باب الأسماء والصفات، ذكره في درء التعارض ولخصه في التدمرية، يقول ﵀: (وجمهور الغلط الذي حار فيه كثير من الأذكياء في مسألة الصفات هو ظنهم أن الاشتراك في الاسم المطلق يلزم منه المماثلة عند الإضافة والتخصيص).
بيان هذا الكلام: أن الله سبحانه سمى نفسه فقال: ﴿إِنَّ الله كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ [النساء:٥٨] وقال عن عبده: ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ [الإنسان:٢] وقال عن نفسه وعنهم: ﴿رَضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ [المائدة:١١٩] ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ [المائدة:٥٤]، وقال: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ﴾ [الحشر:٢٣] فسمى نفسه الملك، وقال عن عبده: ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ﴾ [يوسف:٤٣]، وسمى نفسه العزيز وقال عن عبده ﴿قَالَتْ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ﴾ [يوسف:٥١]، وقال: ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ الله﴾ [الأنفال:٣٠]، إلى غير ذلك.
فالملك والرضا والمحبة ..
هذه أسماء مطلقة، أي: لم تضف ولم تخصص ولم تقيد، لكن إذا أضيف اللفظ فقيل: رضا الله، صارت الصفة متعلقةً بموصوفها، وإذا قيل: رضا زيد صارت الصفة متعلقة بموصوفها، فيمتنع أن يكون الرضا اللائق بالله هو الرضا اللائق بزيد؛ لأن بين الموصوفين تباينًا، فيلزم أن تكون الصفة في الموصوف الأول مباينةً للصفة في الموصوف الثاني، وإن كان الاسم مشتركًا.
يبين ذلك ما ذكره شيخ الإسلام ﵀ حيث قال: (ويتبين هذا الأصل بأصلين شريفين ومثلين مضروبين: الأصل الأول أن القول في الصفات كالقول في الذات).
لفظ الذات لم يستعمل في الكتاب ولا في السنة، وأصل الذات هو مؤنث (ذو) الذي هو من الأسماء الخمسة، التي تستعمل مضافةً، فتقول: ذو علم، وذو سمع، وذو بصر، فلفظ الذات في الأصل لفظ حادث، ولكنه استعمل في كلام طائفة من أهل العلم على مقصد صحيح.
فالقول في صفات الله كالقول في ذاته، وإن شئت فقل: فرع عن القول في الذات، وهذا رد على المعتزلة والجهمية.
قال: (الأصل الثاني: القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر)، فمن زعم في صفة الإرادة أو المحبة أو الغضب أنه يلزم منها التشبيه فيلزمه هذا في صفة العلم، وصفة السمع وغيرها مما يثبته.
قال: (والمثل الأول: نعيم الجنة، فالله أخبرنا أن في الجنة خمرًا وماءً وعسلًا، والدنيا فيها خمر وماء وعسل)، فالاسم واحد وفيه اشتراك، وأما الحقائق فبينها اختلاف، فإذا كان الاشتراك في الاسم الواحد بين المخلوقات لا يلزم منه تماثلها فبين الخالق والمخلوق من باب أولى.
قال: (والمثل الثاني: الروح، وقد وصفت بصفات، اشتركت فيها مع الجسد في الاسم مع تباينها في الحقيقة، فكذلك الخالق والمخلوق من باب أولى).
4 / 3