إعلم أرشدك الله وإيانا: أن فنون العلم الدينية كثيرة، وأنواع كل فن منها جمة غفيرة، وكل نوع يتفرع إلى أغصان مثمرة مورقة، وأفنان مزهرة عبقة، والناس في إدراكه بين ممد ذراع إلى ممد باع، وبين شأو حباب إلى مكسر عقاب، ولو صرفت إليه مدد الأعمار، وحجزت عليه ثواقب الأبصار والأنظار، للإحاطة بأقطاره، والإحتواء على إطاره، لعادت خاسئة حسيرة بائسة فقيرة، قال تعالى: ?ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا? [البقرة: 269]، والذي يتفوه بإدراكه ويتبجح بملاكه، أخذنا من كل فن نبذة مباركة، مع قريحة بحمد الله وقادة، وغريزة من الله تعالى منقادة، وقد ذكر العلماء أن من أحرز في كل فن مختصرا من مختصراته، من آيات الكتاب شرعيات آياته، وإن لم يكن محضرا له في سائر أوقاته بباله، ولا مستحضرا له من ساعات أحواله، مع قريحة بين التلفيقات في القبول صافية، وغريزة عند الاستخراجات من الأصول وافية، فقد استوفى في العلم شرطه، واستشعر في هذا الشرط مرطه(1)، ونحن بتوفيق الله بهذه الصورة المعتبرة وزيادة، عرف ذلك منا من عرفنا من الفضلاء القادة، ولا نقول إنا لا نقول في شيء: الله أعلم. وكيف وقد علمنا أنما علمنا أقل مما لم نعلم، ? لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم ?[آل عمران:188].
Página 57