[بيان حال الإمام المؤلف مع تواضع من غير إخلال]
واعلم أرشدك الله وإيانا: أنه كفانا إثما ومقتا أن نحب أن نحمد بمالم نفعل، وأن نثاب ونجازى على مالم نعمل، فنحن لا ندعي الإحاطة بما أحاط به آباؤنا من الخصال، ولا بلوغ ما بلغوا من وفاء الكمال، وأين وميض السها من صفا الهلال؟! بل أين الباع الوزي(1) من الشناخيب(2) الطوال، قال عليه السلام :
وابن اللبون إذا ما لز في قرن
لم يستطع صولة البزل القناعيس
أولئك زادوا على ما تصح به الإمامة درجات، ورقوا في الزيادة سبع سموات:
أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البناء
وإن وعدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا
?أولئك الذين هداهم الله فبهداهم اقتده? [الأنعام: 90]، والذي ادعيناه إحراز ما تصح به الإمامة، وتثبت معه أحكام الولاية والزعامة، ويجب عنده الموالاة والنصيحة، وتلزم لأجله الاعتقادات الصحيحة، هذا ولولا إلجاء التكليف، وحمل أوامر الواحد اللطيف، وخوف انطماس ربوع المذهب الشريف، واندراس معالم الدين الحنيف، ما تصدينا لهذا الأمر الهائل، ولا استهدفنا لسهامه، ولا تحلينا بحلية الكامل، ولا تأهلنا لخطر أحكامه، ولا تتوجنا بتاج أمارته، ولا تكللنا ببدر تمامه، ولا ارتدينا برداء نظارته، ولا تظللنا بظل غمامته، خلا أنا ألفينا معارج البدع الشنيعة معمورة مسلوكة، ومناهج الشرع البديعة مدعثرة مهتوكة، فترقبنا داعيا إلى الله يدعو، وانتظرنا قائما لله يبدو، فلم نسمع لطلائعه حسا، ولا آنسنا من طلوعه أنسا، فازدادت البهمة في استحكامها بهمة، وازدادت الظلمة إلى ديجورها ظلمة، فحينئذ رمت قياس الحمية في الدين بتحمل أعباء المسلمين، ورنت حواس البصيرة واليقين بوجوب مكافحة المعتدين والظالمين، فقمنا لله تعالى مع رهبة منه ووجل، وهيبة منه تعالى وخجل، وخضوع له وتذلل، وتوسل إليه وتبهل، وثقة بمنه وتوكل.
Página 55