أما الدرجة الأولى: فأدلة القطع والثبات من الأخبار والآيات قضت بفضلهم باطنا وظاهرا، وحكمت بعصمتهم حكما جامعا حاضرا.
وأما الدرجات الثلاث ففضلنا بعضهم على بعض لوجوه:
الأول منها: قوله صلى الله عليه وآله وسلم : «خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم»(1)، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم :«لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه».
الثاني: أن أهل الدرجة الأولى من الثلاث رويت فيهم أخبار نبوية دلت على فضلهم، ولم يرد فيمن بعدهم ما ورد فيهم.
الثالث: إنا وجدنا كل درجة بمن قبلهم تقتدي، وبهدي من سبقها تهتدي.
الرابع: إنا سبرنا علومهم وخبرنا مصنفاتهم فوجدنا كل درجة تشهد لمن سبقها، حتى أن مصنفات الآخرين إنما هي أقاويل المتقدمين، وتخريجات على نصوصهم، وقياسات على أصولهم.
الخامس: أن الفضل متزايد بتزايد الأعمال الصالحة، ووجدنا كل درجة زادت على من بعدها في المشاق الجهادية والأمور الدينية، ومن عرف سيرهم وجد ذلك في علمه هذا، وقد اشتركوا في فضل الإمامة وازدحموا في محل الولاية والزعامة، وترديهم بمطارفها وأثوابها، وقبض كل واحد منهم من خلال الكمال على نصابها، واعتلائهم الجميع من الولاية والزعامة فوق ركابها.
وتنزيلهم على هذه الدرجات الثلاث إنما هو حكم في الظاهر، والعلم بالباطن يختص به الملك القادر، إذ مقادير الثواب على الأعمال لا يحيط بها إلا الملك المتعال، فهو عالم السر وأخفى، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، وهذا حين انتهى فيه الكلام إلينا، وتعين البيان والبرهان علينا، وإنا لله وإنا إليه راجعون فلقد تحملنا طودا عظيما ثقيلا، وحملنا من الأمر هولا مهيلا، وامتطينا من أعباء الورى ما يهد الشناخيب المنيفات الذرى.
إن الإمامة أمرها مائل خطر
صعب مسالكها وعر مراقيها(2)
Página 54