فالحمد لله على سابغ نواله، وشكره على بالغ إفضاله، وتقدسه لعظمته ولجلاله، وصلى الله على محمد وآله، فقد تحقق العام والخاص، وتيقن الداني والقاص؛اختباط الأمور واضطرابها، واعتباط البدع وارتكابها، واستحساك حنادس الفتن(1) واحتيلاك(2) كرادس(3) المحن، فعند ذلك طاحت بأهل العصر طوائح الضلال، ودارت عليهم دوائر الوبال والنكال، فلما اشتدت الأزمة وبهضت، وعظمت المصيبة وأخرست، وحارت الأفكار، وثقلت الأصار، شخصت إلينا الأبصار من جميع الأقطار، ومدت إلينا للاستعانة الأعناق، وشدت إلى ساحاتنا النجائب من الآفاق، وبلغنا من الأقاصي الرسائل والأوراق، وطلبتنا القيام بأمر الأمة، وعنينا بقشع هذه الظلمة والغمة، فقف عند ذلك شعرنا، واقشعر بعظيم خطره بشرنا، وعذنا بالله من التعرض للأخطار، ولذنا به من التحمل لهذه الأوزار حذرا من قوله صلى الله عليه وآله وسلم : «ويل للأمناء ويل للأمراء، ليتمنين أقوام يوم القيامة أن ذوائبهم معلقة في الثريا يذبذبون بين السماء والأرض وأنهم لم يلوا عملا»(4)، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته»(5)، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : «لا يسترعي الله عبدا قلت أو كثرت إلا سأله عنهم يوم القيامة أقام حق الله فيهم أم ضيعه»(6) ، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : «من ولي أمرا من أمور الناس، ثم أغلق بابه دون المسكين والضعيف وذوي الحاجة، أغلق الله دونه باب رحمته عند حاجته»(1)، فقهقرنا لذلك متعوذين، وتأخرنا عن الأمر مسترجعين، فما ازدادت الظلمة إلا شدة، ولا البدعة إلا حدة ، ولا المنكر إلا ظهورا، ولا الناس إلا غرورا، ولا الدين إلا انطماسا، ولا الجود إلا امتراسا، ففزع إلينا العلماء الأفاضل، وأهرع نحونا العلماء الأماثل، وحط بساحتنا رؤساء القبائل، ولاذ بنا أهل الدين، واستغاث بنا كافة المسلمين، فرأينا القيام علينا متعينا، ولزومه لنا ظاهرا بينا، فقمنا لله غاضبين، ولأعدائه مناصبين، شادين أزر العزم لتأييد الدين، مستلئمين لامة الجد لمنابذة الظالمين، سالين سيف الحق لرقاب المعتدين، متدثرين شعار الرأفة للضعفاء والمساكين، متكللين بأكليل المودة لسائر المسلمين، متتوجين بتاج الخضوع لرب العالمين، مستمسكين بسنن الأنبياء والمرسلين وسير الأئمة الهادين، نظرا إلى قوله تعالى:?ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين? [فصلت:33] ، وقال تعالى: ?ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن? [النحل:125 ]، وقوله تعالى:?وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ، صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور?[الشورى:52]، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : «من مات وليس بإمام جماعة أو لإمام جماعة في عنقه طاعة مات ميتة جاهلية»(2) ، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : «أحب الناس إلى الله يوم القيامة وأدناهم منه مجلسا إمام عادل»(1) ولذلك تجردنا تجرد السابقين، ونهضنا نهوض الأئمة الهادين.
اللهم اشهد على هذه العزيمة التي انطوى عليها الجنان، ونطق بها اللسان، اللهم وأنت العالم بالسرائر وما يختلج في الضمائر، اللهم عصمة منك عاصمة من سوء السيرة في الرعية، وتوفيقا موفقا للعدل والصلاح في البرية.
Página 44