فقلت لهم: لو كنت أضمرت توبةً ... وأبصرت هذا كلّه لبدا لي
وله يصف معزفة:
معلقة الأوتار صخّابة ... لها حنينٌ كحنين الغريب
زادت على المزهر طيبًا وقد ... تاهت عن الناي بخلقٍ عجيب
مكسوةٌ أحشاؤها جلدة ... بيضاء من جلد غزالٍ ربيب
كأنما تسعة أوتارها ... نصبن أشراكًا لصيد القلوب
وله في مضراب:
يا أيها الصلف المدل بحسنه ... جد للمحبّ، فأنت أهل الجود
بقبول مضراب حكاك بحسنه ... حسن التعطّف مخطف مقدود
متشبّه بك حين تخطو لاهيًا ... وتميس بين مجاسد وعقود
لا تشمتنّ بي الحسود بردّه ... يفديك كلّ حسودةٍ وحسود
لم أهده لك يا مناي وإنما ... أهديته متقربًا للعود
وله يرثي قدحًا له كان انكسر:
وعندي فجائعٌ للنائبات ... وليس كفجعتنا بالقدح
وعاء المدام وتاج البنان ... وخدن السرور ومقصي الترح
يردّ على الشخص تمثاله ... فلو تتخذه مراةً صلح
يكاد مع الماء إن مسّه ... لما فيه من شبهه ينسفح
فأفقدنيه على ضنّةٍ ... به للزمان غريمٌ ملح
كأنّ له ناظرًا ينتقي ... فما يتعمّد غير الملح
فلا تبعدنّ فكم من حشىً ... عليك كليمٍ وقلبٍ قرح
وله في النيل:
كأن النيل حين أتى بمصرٍ ... وفاض بها وكسرت التراع
وأحدق بالقرى من كلّ وجهٍ ... سماوات كواكبها ضياع
وقال في البطيخ:
وطيّبٍ أهدى لنا طيّبًا ... فدلّنا المهدى على المهدي
يا جاني البطيخ من غرسه ... جنيت منه ثمر الحمد
لم يأتنا حتى أتتنا به ... روائح أغنت عن الندّ
كأنما تكشف منه المدى ... عن زعفرانٍ ديف في شهد
كأنما في جوفه قهوةٌ ... ينقع فيها مندلٌ هندي
وفيما أتينا به من طريف شعره وغريب صفاته، كفاية تفي بالشرط ولا تتجاوز الحد.
دير قنى
ويعرف أيضًا بدير مر ماري السليح
وهذا الدير، على ستة عشر فرسخًا من بغداد، منحدرًا في الجانب الشرقي، بينه وبين دجلة ميل ونصف، وبينه وبين دير العاقول بريد.
وهو دير حسن، نزه، عامر. وفيه مائة قلاية لرهبانه والمتبتلين فيه، لكل راهب قلاية. وهم يتبايعون هذه القلالي بينهم من ألف دينار إلى مائتي دينار إلى خمسين دينارًا. وحول كل قلاية بستان، فيه من جميع الثمار والنخل والزيتون. وتباع غلته من مائتي دينار إلى خمسين دينارًا. وعليه سور عظيم يحيط به. وفي وسطه نهر جار.
وعيده الذي يجتمع الناس إليه عيد الصليب.
وقد وصفته الشعراء. ولابن جمهور، فيه:
يا منزل اللهو بدير قنّا ... قلبي إلى تلك الربى قد حنّا
سقيًا لأيامك لما كنا ... نمتار منك لذّة وحسنا
أيام لا أنعم عيشٍ منّا ... إذا انتشينا وصحونا عدنا
وإن فنى دنٌّ نزلنا دنّا ... حتى يظنّ أننا جننّا
ومسعدٍ في كل ما أردنا ... يحكي لنا الغصن الرطيب اللّدنا
أحسن خلق الله أدّى لحنا ... وجسّ زير عوده وغنى
بالله، يا قسيس يا ما قنّى ... متى رأيت الرشأ الأغنّا
متى رأيت فتنتي يوحنا ... آهٍ إذا ما ماس أو تثنّى
يا منية القلب إذا تمنّى ... فتكت بالصبّ بك المعنّى
ثم قلبت في الهوى المجنّا ... عذبته بالحبّ فنًا فنّا
وصارت الأرض عليه سجنا ... فما يلاقي الجفن منه جفنا
أفديك لا تهجر صبًا مضنى ... قد كان من غدرك مطمئنا
أسأت إذ أحسنت فيك الظنّا ... وصار قلبي في يديك رهنا
وقال فيه أيضًا:
1 / 64