تقلّب طرف عينك من بعيدٍ ... شبيهًا بالمودّة والوعيد
تقرّ بطرف عينك لي بوصلٍ ... وفعلك لي مقرّ بالجحود
تشككني وأعلم أن هذا ... هوىً بين التعطف والصدود
هواك هوىً تجدّده الليالي ... ولا يبلى على مرّ العهود
ومن شعره أيضًا:
كرّ الشراب على نشوان مصطبح ... قد هبّ يشربها والديك لم يصح
والليل في عسكر جم بوارقه ... من النجوم وضوء الصبح لم يضح
والعيش لا عيش إلا أن تباكرها ... صهباء تقتل همّ النفس بالفرح
حتى يظلّ الذي مذ بات يشربها ... ولا مراح به يختال كالمرح
دير سرجس
وهذا الدير كان بطيزناباذ، وهو بين الكوفة والقادسية، على حافة الطريق، وبينها وبين القادسية ميل. وكانت أرضه محفوفة بالنخل والكروم والشجر والحانات والمعاصر. وكانت إحدى البقاع المقصودة والنزه الموصوفة. وقد خربت الآن وبطلت وعفت آثارها وتهدمت آبارها، ولم يبق من جميع رسومها إلا قباب خراب وحجر على قارعة الطريق، تسميه الناس معصرة أبي نواس.
ولأبي نواس، فيها:
قالوا: تنسك بعد الحج! قلت لهم: ... أرجو الاله وأخشى طيزناباذا
أخشى قضيّب كرم أن ينازعني ... رأس الخطام وأن أسرعت إغذاذا
فإن سلمت، وما نفسي على ثقةٍ ... من السلامة لم أسلم ببغداذا
ما أبعد الرشد من قلبٍ تضمّنه ... قطرّبل فقرى بنّا فكلواذا
وكان هذا الدير من أحسن الديارات عمارة وأنزهها موضعًا.
وللحسين بن الضحاك، فيه:
أخويّ حيّ على الصبوح صباحا ... هبّا ولا تعدا النديم رواحا
مهما أقام على الصبوح مساعدٌ ... وعلى الغبوق فلن أُريد براحا
عودا لعادتنا صبيحة أمسنا ... فالعود أحمد مغتدى ومراحا
هل تعذران بدير سرجس صاحبًا ... بالصحو أو تريان ذاك جناحا
إني أُعيذكما بأُلفة بيننا ... أن تشربا بقرى الفرات قراحا
عجّت قواقزنا وقدّس قسّنا ... هزجًا وأصخبنا الدجاج صياحا
للجاشرية فضلها فتعجّلا ... إن كنتما تريان ذاك صلاحا
يا ربّ ملتبس الجفون بنومةٍ ... نبّهته بالراح حين أراحا
فكأن ريّا الكأس حين ندبته ... للكأس أنهض في حشاه جناحا
فأجاب يعثر في فضول ردائه ... عجلان يخلط بالعثار مراحا
فهتكت ستر مجونه بتهتكي ... في كل ملهيةٍ وبحت وباحا
ما زال يضحك بي ويضحكني به ... ما يستفيق دعابةً ومزاحا
ديارات الاساقف
هذه الديارات بالنجف، بظاهر الكوفة، وهو أول الحيرة. وهي قباب وقصور تسمى ديارات الأساقف. وبحضرتها نهر يعرف بالغدير. عن يمنيه قصر أبي الخصيب مولى أبي جعفر، وعن شماله السدير، وبين ذلك الديارات.
وقصر أبي الخصيب هذا، أحد متنزهات الدنيا. وهو مشرف على النجف وعلى ذلك الظهر. ويصعد من أسفله على درجة طولها خمسون مرقاة إلى سطح حسن ومجلس، فيشرف الناظر على النجف والحيرة من ذلك الموضع، ثم يصعد منه على درجة أخرى طولها خمسون مرقاة إلى سطح أفيح ومجلس عجيب.
وأبو الخصيب هذا، مولى أبي جعفر المنصور وحاجبه.
والسدير، قصر عظيم من أبنية ملوك لخم في قديم الزمان. وما بقي الآن منه فهو ديارات وبيع للنصارى.
ولعلي بن محمد الحماني العلوي، يذكر هذه المواضع:
كم وقفةٍ لك بالخور ... نق لا توازى بالمواقف
بين الغدير إلى السدي ... ر إلى ديارات الأساقف
فمدارج الرّهبان في ... أطمار خائفةٍ وخائف
دمنٌ كأن رياضها ... يكسين أعلام المطارف
وكأنما غدرانها ... فيها عشورٌ في مصاحف
وكأنما أنوارها ... تهتزّ بالريح العواصف
طرر الوصائف يلتقي ... ن بها إلى طرر الوصائف
تلقى أوائلها أوا ... خرها بألوان الزخارف
بحريةٌ شتواتها ... بريةٌ فيها المصايف
1 / 57