ومن شعره في جواريه الثلاث:
إنني وزّعت حبي طائعًا ... بين شجو وضياءٍ وخنث
يتنازعن الهوى من ذي هوىً ... آمناتٍ عقدةً لا تنتكث
وإذا شجوٌ أتت زائرة ... كشفت عني شجو كل بث
قال: وكان مولد الرشيد بالري، أول سنة ثمان وأربعين ومائة. وولد الفضل بن يحيى قبله بسبعة أيام، فأرضعته أم الفضل. وبويع له بالخلافة، ليلة السبت لأربع عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الأول سنة سبعين ومائة. وولد في هذه الليلة عبد الله المأمون، من جارية تسمى مراجل. ففي هذه الليلة مات خليفة، وولي خليفة، وولد خليفة. وهذا من الاتفاقات الطريفة.
وتوفي الرشيد بقرية تدعى سناباذ، من عمل طوس. وله خمس وأربعون سنة، يوم السبت لأربع خلون من جمادى الآخرة سنة ثلاث وتسعين ومائة. وكانت خلافته ثلاثًا وعشرين سنة وشهرًا ونصفًا.
دير ماسرجيس
وهذا الدير بعانة. وعانة مدينة على الفرات عامرة، وبها هذا الدير. وهو كبير حسن كثير الرهبان. والناس يقصدونه من هيت وغيرها للتنزه فيه. وهناك كروم ومعاصر وبساتين وشجر. والموضع في نهاية الحسن، جامع لما يحتاج إليه أهل التطرب والتفرج.
ولابن أبي طالب المكفوف الواسطي، فيه:
ربّ صهباء من بنات المجوس ... قهوةٍ بابليةٍ خندريس
قد تحسّيتها بناي وعودٍ ... قبل قرع الشماس للناقوس
وغزالس مكحّل ذي دلالٍ ... ساحر الطّرف سامري عروس
دينه معلنٌ لدين النصارى ... وإذا ما خلا، فدين المجوس
قد خلونا بظبيه نجتليه ... يوم سبت إلى صباح الخميس
بين ورد ونرجسٍ وبهار ... وسط بستان دير ما سرجيس
يتثنّى بحسن جيد غزال ... ذي صليبٍ مفضّض آبنوس
كم لثمت الصليب في الجيد منه ... كهلال مكلّل بشموس
وبهذا الموضع، قبر أم الفضل بن يحيى بن خالد بن برمك. وكان الرشيد، لما أشخص من الرقة إلى بغداد يريد الحج شخص معه البرامكة، فتوفيت أم الفضل. وكانت أرضعت الرشيد بلبن الفضل. وكان يحبها ويجلها. وكان مولد الفضل قبل مولد الرشيد بسبعة أيام. فأمر الرشيد، فاشتريت لها عشرة أجربة من بستان عند وادي القناطر، على شاطىء الفرات، فدفنت هناك وبنيت عليها قبة. فهي تعرف بقبة البرمكية.
دير ابن مزعوق
وهذا الدير بالحيرة، في وسطها، قريب دير الحريق. وهو دير كثير الرهبان، حسن العمارة، أحد المتنزهات المقصودة والأماكن الموصوفة.
ولمحمد بن عبد الرحمن الثرواني، فيه:
قلت له والنجوم طالعةٌ ... في ليلة الفصح أول السحر:
هل لك في مار فاثيون وفي ... دير ابن مزعوق غير مختصر
يفيض هذا النسيم من طرف ... الشام ودرّ النّدى على الشجر
ونسأل الأرض عن منابتها ... وعهدها بالربيع والمطر
يا لك طيبًا وشمّ رائحةٍ ... كالمسك يأتي بنفحة السحر
في شرب خمرٍ وسمع محسنةٍ ... تلهيك بين اللسان والوتر
والثرواني هذا كوفي من المطبوعين في الشعر، والمنهمكين في البطالات، والمتطرحين في الحانات، والمدمنين لشرب الخمر، والمغرقين في اتباع المرد. لا يعرف شيئًا غير ذلك. ولا يوجد في شيء من أمر الدنيا إلا فيه. وكان آخر أمره أن أصيب في حانة خمار بين زقي خمر وهو ميت! ومن مليح شعره، قوله:
أتاك على الدخول المهرجان ... تشيّعه المعازف والقيان
وزقّت نحوك الصهباء صرفًا ... تسير بها وتحملها الدنان
لهذا اليوم فضلٌ مستبينٌ ... على الأيام تعرفه وشأن
إذا وقّرته عظّمت كسرى ... وأكرمك الشريف الهرمزان
وأصفاك الهوى بهرام جورٍ ... وسارع في رضاك الفيرزان
لتعظيم الذي قد عظّموه ... ودان به أوائلهم ودانوا
فدع عنك الخلاف ولا وحتى ... وسوف أجيئكم ونعم والآن
خلافك لا يجوز على الندامى ... ولا يرضى بذاك المهرجان
وقال أيضًا:
1 / 56