وكان اسم بوران، خديجة. وكانت وفاتها في سنة إحدى وسبعين ومائتين، في أيام المعتمد، ولها ثمانون سنة.
ولبوران، ترثي المأمون:
أسعداني على البكا مقلتيّا ... صرت بعد الامام للهمّ فيّا
كنت أسطو على الزمان فلمّا ... مات، صار الزمان يسطو عليّا
ذكر ابن خرداذبه: أن المتوكل، أنفق على الأبنية التي بناها، وهي: بركوارا، والشاة، والعروس، والبركة، والجوسق، والمختار، والجعفري، والغريب، والبديع، والصبيح، والمليح، والسندان، والقصر، والجامع، والقلاية، والبرج، وقصر المتوكلية، والبهو، واللؤلؤة: مائتي ألف ألف وأربعة وسبعين ألف ألف درهم. ومن العين مائة ألف ألف دينار. تكون قيمة الورق عينًا بصرف الوقت مع ما فيه من العين ثلاثة عشر ألف ألف دينار وخمسمائة ألف دينار وخمسة وعشرين ألف دينار.
قال: شرب المتوكل يومًا في بركوارا، فقال لندمائه: أرأيتم إن لم يكن أيام الورد لا نعمل نحن شاذكلاه؟ قالوا: يا أمير المؤمنين، لا يكون الشاذكلاه إلا بالورد. فقال: بلى. أدعوا لي عبيد الله بن يحيى. فحضر، فقال: تقدم بأن تضرب لي دراهم، في كل درهم حبتان. قال: كم المقدار يا أمير المؤمنين؟ قال: خمسة آلاف ألف درهم. فتقدم عبيد الله في ضربها، فضربت، وعرفه الخبر. فقال: اصبغ منها بالحمرة والصفرة والسواد، واترك بعضها على حاله. ففعل. ثم تقدم إلى الدم والحواشي، وكانوا سبعمائة، أن يعد كل واحد منهم قباء جديدًا وقلنسوة على خلاف لون قباء الآخر وقلنسوته، ففعلوا. ثم عمد إلى يوم تحركت فيه الريح، فنصبت له قبة لها أربعون بابًا، فاصطبح فيها، والندماء حوله. ولبس الخدم الكسوة التي أعدها، وأمر بنثر الدراهم كما ينثر الورد. فنثرت أولًا أولًا، فكانت الريح تحمل الدراهم فتقف بين السماء والأرض كما يقف الورد. فكان من أحسن أيام المتوكل وأظرفه.
وكان البرج من أحسن ابنيته. فجعل فيه صورًا عظامًا من الذهب والفضة، وبركة عظيمة جعل فرشها ظاهرها وباطنها صفائح الفضة، وجعل عليها شجرة ذهب، فيها كل طائر يصوت ويصفر، مكللة بالجوهر، وسماها طوبى. وعمل له سرير من الذهب كبير، عليه صورتا سبعين عظيمين، ودرج عليها صور السباع والنسور وغير ذلك، على ما يوصف به سرير سليمان بن داود ﵉. وجعل حيطان القصر من داخل وخارج ملبسة بالفسيفساء والرخام المذهب. فبلغت النفقة على هذا القصر ألف ألف وسبعمائة ألف دينار. وجلس فيه على السرير الذهب، وعليه ثياب الوشي المثقلة. وأمر ألا يدخل عليه أحد إلا في ثياب وشي منسوجة أو ديباج ظاهره. وكان جلوسه فيه في سنة تسع وثلاثين ومائتين. ثم دعا بالطعام، وحضر الندماء وسائر المغنين والملهين، وأكل الناس. ورام النوم فما تهيأ له. فقال له الفتح: يا مولاي، ليس هذا يوم نوم. فجلس للشرب. فما كان الليل، رام النوم، فما أمكنه، فدعا بدهن بنفسج، فجعل منه شيئًا على رأسه وتنشقه فلم ينفعه. فمكث ثلاثة أيام بلياليها لم ينم. ثم حم حمى حادة. فانتقل إلى الهاروني قصر أخيه الواثق، فأقام به ستة أشهر عليلًا، وأمر بهدم البرج وضرب تلك الحلي عينًا.
دير مرمار
وهذا الدير بسر من رأى، عند قنطرة وصيف. وهو دير عامر كثير الرهبان. حوله كروم وشجر. وهو من المواشع النزهة والبقاع الطيبة الحسنة.
وللفضل بن العباس بن المأمون، فيه:
أنضيت في سر من رى خيل لذاتي ... ونلت فيها منى نفسي وشهواتي
عمّرت فيها بقاع اللهو منغمسًا ... في القصف ما بين أنهارٍ وجنّات
بدير مرمار إذ نحيي الصبوح به ... ونعمل الكاس فيه بالعشيات
بين النواقيس والتقديس آونةً ... وتارةً بين عيدان ونايات
وكم به من غزالٍ أغيدٍ غزل ... يصيدنا باللحاظ البابليات
1 / 38