Estudios sobre la Muqaddima de Ibn Jaldún
دراسات عن مقدمة ابن خلدون
Géneros
ولهذه الأسباب يرى ابن خلدون أن كثرة الأغذية تؤثر تأثيرا سيئا في الأجسام والأخلاق.
ومع هذا فهو لا يغفل عن حقيقة تظهر مخالفة لهذا الرأي في الوهلة الأولى: «إن جسوم أهل الأمصار ألطف من جسوم أهل البوادي»، وكذلك أذهانهم أثقب من أذهان هؤلاء، مع أنهم أرغد عيشا منهم بوجه عام.
ولكن ابن خلدون يحاول تعليل ذلك من غير أن يغير رأيه الأصلي في الأمر: «إن أهل الأمصار وإن كانوا مكثرين من الأدم، ومخصبين في العيش، إلا أن استعمالهم إياها بعد العلاج بالطبخ والتلطيف - بما يخلطون معها - فيذهب لذلك غلظتها ويرق قوامها؛ فتقل الرطوبات لذلك في أغذيتهم، ويخف ما تؤديه إلى أجسامهم من الفضلات الردية» (ص88).
ولهذا السبب تبقى جسومهم بعيدة عن الغلظة، بالرغم من كثرة الأغذية التي يتناولونها.
وفي الأخير يضيف ابن خلدون إلى التأثيرات الآنفة الذكر تأثيرا آخر هو الذي يظهر في حال الدين والعبادة ، حيث يقول: «إن أثر هذا الخصب في البدن وأحواله يظهر حتى في حال العبادة، فتجد المتقشفين من أهل البادية والحاضرة، ممن يأخذ نفسه بالجوع والتجافي عن الملاذ، أحسن دينا وإقبالا على العبادة من أهل الترف والخصب، بل نجد أهل الدين قليلين في المدن والأمصار؛ لما يعمها من القساوة والغفلة المتصلة بالإكثار من اللحمان والأدم ولباب البر، ويختص وجود العباد والزهاد لذلك بالمتقشفين في غذائهم من أهل البوادي» (ص89).
3
أما رأي ابن خلدون في مسألة الأوصاف الفطرية والعرقية (الرسية)، فمما يتطلب البحث والنظر بكل تأمل وإمعان. (1)
لقد زعم بعض الباحثين أن ابن خلدون يعزو أهمية كبرى إلى تأثير الدم والجنس في حياة الأمم، وبنوا زعمهم هذا على نظرية العصبية التي وضعها، وقالوا يذهب ابن خلدون إلى أن العصبية هي العامل الأساسي في الحياة السياسية، ومن المعلوم أن العصبية إنما هي نتيجة طبيعية لرابطة الدم والنسب، فيظهر من ذلك أنه يعزو دورا هاما إلى هذه الرابطة، شأن القائلين بنظرية الأجناس، وبأهمية الأوصاف العرقية (الرسية).
غير أني أعتقد أن هذا الزعم لا ينطبق على الواقع انطباقا كافيا، بل يخالف روح آراء ابن خلدون مخالفة كلية، إنه يعزو - في الواقع - إلى العصبية أهمية كبرى، ويعتبرها نتيجة القرابة والنسب في الدرجة الأولى، ولكنه لا يذهب إلى أنها مربوطة بوحدة الدم ارتباطا لا محيد عنه أبدا.
فأولا:
Página desconocida