Estudios sobre la Muqaddima de Ibn Jaldún
دراسات عن مقدمة ابن خلدون
Géneros
لأن سورة الخمر «تبعث حرارة غريزية في القلب؛ فيتفشى الروح»، وينتج من ذلك «من الفرح والسرور ما لا يعبر عنه»، كما أن المتنعمين بالحمامات يتأثرون من حرارة الهواء، فيشعرون بفرح، وربما انبعث الكثير منهم بالغناء الناشئ عن السرور .
ولما كان السودان ساكنين في الإقليم الحار ؛ «استولى الحر على أمزجتهم» فصارت أرواحهم «أشد حرا من أرواح أهل الإقليم الرابع وأكثر تفشيا»، ومن ثم كان السودان «أكثر فرحا وسرورا وأكثر انبساطا»، وأما الطيش «فقد جاءهم على أثر ذلك» (ص86).
يرى ابن خلدون وجها للمشابهة بين السودان وأهل البلاد البحرية بهذا الاعتبار، فيقول: «ويلحق بهم قليلا أهل البلاد البحرية؛ لما كان هواؤها متضاعف الحرارة، بما ينعكس عليه من أضواء بسيط البحر وأشعته، كانت حصتهم من توابع الحرارة والفرح والخفة موجودة أكثر من بلاد التلول والجبال الباردة» (ص86).
وفي الأخير يشبه مصر نوعا ما بالبلاد الجزيرية، ويقول: «اعتبر ذلك أيضا بأهل مصر؛ فإنها مثل عرض البلاد الجزيرية أو قريبا منها، كيف غلب الفرح عليهم، والخفة والغفلة عن العواقب، حتى إنهم لا يدخرون أقوات سنتهم ولا شهرهم، وعامة مأكلهم من أسواقهم. ولما كانت فاس بلاد المغرب بالعكس منها في التوغل التلول الباردة، كيف نرى أهلها مطرقين إطراق الحزن؟ وكيف أفرطوا في نظر العواقب؟ حتى إن الرجل منهم ليدخر قوت سنتين من حبوب الحنطة، ويباكر الأسواق لشراء قوته ليومه؛ مخافة أن يرزأ شيئا من مدخره» (ص86-87).
ويختم ابن خلدون بحثه هذا بقوله: «تتبع ذلك في الأقاليم والبلدان؛ تجد في الأخلاق أثرا من كيفيات الهواء» (ص87). (4)
يفرد ابن خلدون فصلا من الباب الأول لشرح نوع آخر من التأثير، هو تأثير الطبيعة في الإنسان، عن طريق المواد الغذائية التي توفرها له.
من المعلوم أن الأقطار لا تتساوى في الخصب، والأقوام لا تتمتع بدرجة واحدة من رغد العيش؛ لأن هناك أقطارا وأقاليم توفر لأهلها «خصب العيش، من الحبوب والأدم والحنطة والفواكه؛ لزكاء المنابت، واعتدال الطينة، ووفور العمران»، وهنالك أقطار لا توفر ذلك لأهلها، فسكان تلك الأقطار يكونون في حالة «شظف من العيش»، إنهم «يفقدون الحبوب والأدم جملة»، ويقتاتون في الغالب «بالألبان واللحوم» (ص87).
يرى ابن خلدون أن خصائص الأقوام تختلف باختلاف «خصب الأراضي التي يعيشون عليها، ونوع الأغذية التي يتغذون بها»؛ فإن أهل القفار «الفاقدين للحبوب والأدم » يكونون بوجه عام «أحسن حالا في جسومهم وأخلاقهم من أهل التلول المنغمسين في العيش»، فتجد «ألوانهم أصفى، وأبدانهم أنقى، وأشكالهم أتم وأحسن، وأخلاقهم أبعد من الانحراف، وأذهانهم أثقب في المعارف والإدراكات» (ص88).
والسبب في ذلك «أن كثرة الأغذية وكثرة الأخلاط الفاسدة العفنة ورطوباتها تولد في الجسم فضلات رديئة تنشأ عنها بعد أقطارها في غير نسبة»، ويتبع ذلك «انكساف الألوان وقبح الأشكال من كثرة اللحم»، «وتغطي الرطوبات على الأذهان والأفكار بما يصعد إلى الدماغ من أبخرتها الردية»، وينتج من ذلك «البلادة والغفلة والانحراف عن الاعتدال بالجملة» (88).
ولزيادة الإقناع يقارن ابن خلدون حيوانات القفار بحيوانات التلول، فيقول: «واعتبر ذلك في حيوان القفار ومواطن الجدب، من الغزال والنعام والمها والزرافة والحمر الوحشية والبقر، مع أمثالها من حيوان التلول والأرياف والمراعي الخصبة، كيف تجد بينها بونا بعيدا في صفاء أديمها وحسن رونقها، وأشكالها، وتناسب أعضائها، وحدة مداركها؛ وما ذلك إلا لأجل أن الخصب في التلول فعل في أبدان هذه من الفضلات الردية والأخلاط الفاسدة ما ظهر عليها أثره. والجوع لحيوان القفر حسن في خلقها وأشكالها ما شاء» (ص88).
Página desconocida