وفي سنة 820 أتى الأمير تنوخ الملقب بالمنذر ومعه بعض من أمراء قبيلته فسكنوا جنوبي لبنان في الجبال الخالية من السكان بالقرب من كسروان وابتنوا لهم في الغرب مباني وكانوا أعوانا لبني أرسلان، وفي سنة 845 وقع بين الأمير هاني وبين المردة مواقع عديدة كان فيها النصر للأمير هاني؛ فاتصل ذلك بالخليفة المتوكل على الله، فبعث إليه يحثه على مواصلة الحرب لقهر المردة (تاريخ الموارنة للدويهي ص97).
وذكر العلامة الدويهي أيضا أنه في سنة 875؛ وهي السنة التي دخل فيها المتوكل على الله الشام، وقع بين الأمير النعمان أمير بيروت وبين المردة عند نهر بيروت موقعة شديدة، لبثت أياما ثم انجلت عن انهزام المردة.
وجاء في تاريخ بيروت لمحمد بن صالح (مجلة المشرق عدد 4 ص167 و168) أن المؤرخين ذكروا أنه في سنة 448ه / 1051م أقطع المستنصر بالله خليفة مصر عكة وبيروت وجبيل لمعز الدولة (وهو أبو علوان ثمال بن صالح بن مرداس، كان أبوه صالح من أمراء العرب، فلما توفي سنة 433 / 1044م الدزبري صاحب حلب سار ابنه أبو علوان إليها وتملكها) عوضا عن حلب وأخذ حلب منه.
وفي سنة 1099 لما كان الإفرنج سائرين إلى القدس الشريف بعد أخذهم مدينة أنطاكية، وكانوا قد بلغوا أرض عرقة (وهي فيما ذكره ياقوت بلدة في شرقي طرابلس بينهما أربعة فراسخ) أتاهم قوم من المردة من جبل سير «وهي من أمهات قرى الضنية» والضنية وبلاد جبيل، وسار معهم جماعة منهم يدلونهم على الطرق والمسالك حتى القدس وكانوا ينجدونهم في مواقعهم مع أعدائهم ويمدونهم بالميرة والذخائر والسلاح (تاريخ الموارنة للدويهي ص101 و102).
وفي سنة 1100 حدثت موقعة بين الصليبية ومعهم المردة وبين المسلمين عند نهر الكلب، وذكر صاحب الغرر الحسان أنه في سنة 1110 جمع بغدوين
30
أحد أمراء فرنسة جيوشه، وحاصر بيروت وفيها الأمير شجاع الدولة الأرسلاني وجماعة من ذوي قرباه محاصرة من جهتي البحر والبر، ولما تعذر عليه فتحها استعان بفرنج السواحل وأمراء المردة فأنجدوه، فانضم فرنج الشمال والمردة في جبيل واجتمع فرنج الجنوب في مرج الغازية، ثم زحف الفريقان في يوم واحد الشماليون من طريق الجبل والجنوبيون من طريق الساحل، وسطوا على الغرب صباحا، فنهبوه وأحرقوه وقتلوا وأسروا من بلت يدهم به، ولم ينج من أهله سوى الغائبين والمنهزمين والمختبئين، فقتل من الأمراء: الأمير موسى بن إبراهيم بن أبي بكر بن المنذر وأولاده الصغار، والأمير القاسم بن هشام بن أبي بكر وولده الأمير إدريس، والأمير مورود بن سعيد بن قابوس وولداه الأمير أسد والأمير زهير، والأمير مالك بن مصطفى بن عون، والأمير عبيد بن معضاد بن حسام، والأمير يحيى بن الخضر بن الحسين بن علي وأخوه الأمير يوسف، والأمير علي بن حليم بن يوسف بن فارس الفوارسي وأولاده وإخوته وبنو عمه. فانقطعت بهم سلالة بني فوارس.
وفي سنة 1111 انضم أمير المردة إلى بغدوين الملك وبلتران صاحب طرابلس مع أصحاب بقية البلدان لمقاومة جيوش كثيرة زاحفة إلى بلاد الشام من أنحاء العجم وبغداد، فلما رأت هاته الجيوش كثرة عدد المقاومين قفلت راجعة من دون حرب.
لم يذكر محمد بن صالح في فصل فتوح الفرنج لبيروت من كتابه تاريخ بيروت المطبوع في مجلة المشرق مساعدة الأمراء المردة للفرنج على فتوح بيروت، واكتفى بذكر الواقعة؛ إذ قال: «ولم تزل بيروت في أيدي المسلمين من الفتوح الأول (وهو الفتوح الذي جرى على يد معاوية) تنتقل من دولة إلى دولة والمسلمون بها على أحسن حال وأسر بال، حتى نزل بها بغدوين الفرنجي الذي ملك القدس وكثيرا من مدن الساحل في جموعه وحشوده، وحاصرها حصارا شديدا حتى فتحها عنوة بالسيف في يوم الجمعة الحادي والعشرين من شوال سنة ثلاث وخمسمائة (1110م) واستولى عليها قتلا وأسرا ونهبا.» ثم تطرق إلى بيان الأسباب التي أفضت إلى انتزاع الفرنج البلاد من أيادي المسلمين، فذكر ما صارت إليه حال الخلافة ببغداد من الضعف عندما قويت دولة بني سلجوق المالكين في العجم، وما وقع من اضطراب في ممالك الشرق بسبب الشقاق ؛ ذلك من جهة ومن الجهة الأخرى ما بدا من الآمر بأحكام الله وهو المنصور (ولد المستعلي) في أيام خلافته من وهن العزيمة والتغافل عن أحوال الخلافة. ثم ذكر استيلاء الفرنج على أنطاكية، فقال إنه كان في جمادى الأولى سنة إحدى وتسعين وأربعمائة (1098م)، وعلى القدس، فقال: «أخذوها في شعبان سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة (1099م) واستولوا في طريقهم من أنطاكية إلى القدس على أماكن كثيرة بعد قتال شديد.»
ثم بعد ذلك تزايد مدد الفرنج من البحر إلى السواحل، وانضموا إلى الفرنج الذين حضروا من البر، واستولوا على مدينة بعد أخرى حتى أتوا على ساحل الشام جميعه وعلى غيره من البلاد، فكانت بيروت في جملة ما أخذ.
Página desconocida