29
رضي الله عنهما، ففتحها معاوية ثم رممها وشحنها بالمقاتلة، وقد رأينا في كتاب فتوح الشام أنه في سنة ست عشرة عند استيلاء المسلمين على السواحل وتقرير الجزية عليهم دخل أهل بيروت في التقرير» (مجلة المشرق عدد 3 ص131).
وها نحن مثبتون في هذا الباب ما جاء في الدر المنظوم من ذكر أولئك الأمراء على حسب الترتيب الذي وضعه المغفور له صاحب الدر خلوا من الإسناد، أو مع إسناد ضعيف، قال: «وأما أمراء المردة فأولهم يوسف، ثم كسرى الذي سميت بلاد كسروان باسمه، وقد كانت تسمى قبلا العاصية والداخلة، ثم خلف الأميرين المذكورين أيوب، ثم إلياس الذي ساعد هرقل الملك في محاربة الفرس في سورية سنة 628 وخلفه يوسف، ثم يوحنا الذي حارب العرب وكسرهم سنة 675 وسنة 676، وكان حكمه ممتدا من حدود أنطاكية سورية إلى القدس الشريف، ثم إبراهيم ابن أخت القديس يوحنا مارون الذي فيما قيل بنى جسر نهر أدونيس بالقرب من مصبه في البحر المتوسط إلى الجنوب من مدينة جبيل؛ فنسب النهر إليه، ثم يوحنا الذي قتل عند قب إلياس أي قبة أو قبر إلياس، ثم سمعان، ثم غيره من الأمراء بالتتابع، ومنهم الأمير سمعان الذي كان لما قدم لويس التاسع ملك فرنسة بجيوشه الوافرة إلى جزيرة قبرس، ثم إلى عكة سنة 1229، ثم في أواخر سنة 1300 اشتهر المقدمون الموارنة في بلاد كسروان وبلاد جبيل والبترون، ثم في جبة بشرة في سنة 1388، ثم ظهر المشايخ الموارنة ذوو الإقطاع في جبل لبنان، ثم الأمراء الشهابيون واللمعيون ونواب الأمراء اللمعيين الذين قدموا الشوف في القرن الثاني عشر وانقرضوا سنة 1697، وبيت عساف الذين توطنوا بغزير سنة 1515 وانقرضوا سنة 1590، والشهابيون الذين خلفوا بيت معن سنة 1697.»
وقد ذكر الخوري يوسف الطرابلسي في رسالة له كتبها في أصل الموارنة أن الأمير موسى من أمراء المردة انتهت ولايته سنة 890، وإن جاء بعده الأمير جرجس والأمير يوحنا والأمير يعقوب، فلبثت ولايتهم إلى سنة 1190؛ أي: إلى أواخر مدة صلاح الدين الذي توفي بدمشق سنة 1193.
لما كانت حوادث المردة، كما قلنا غير منتسقة انتساقا يصلح أن يكون سلسلة تاريخية ، وكان ذكرها لا يخلو مع ذلك من الفائدة؛ رأينا أن نثبت ما عثرنا عليه منها مما ورد في كتب المؤرخين على علاته.
في سنة 752 / 135ه زحف المقدم إلياس برجاله إلى البقاع العزيز ونهب قراه وقتل أهلها، ثم قتله صاحب الشام؛ فسمي المكان الذي قتل فيه قبر إلياس وهو المعروف اليوم بقب إلياس، وخلف المقتول ابن أخته سمعان مقدما على الجيش، فحارب سمعان جيوش الشام في قرية المروج شرقي قرية الشوير، وفاز بالغلبة عليها (تاريخ الموارنة للدويهي ص97).
وفي خلافة أبي جعفر المنصور العباسي سنة 758 قدم إليه من المعرة، وهو في دمشق، الأمير أرسلان والأمير منذر بجماعة من عشيرتهما، ولما كان قد بلغه شدة بأس مردة لبنان وقطعهم الطرق المجاورة بلادهم على أبناء السبيل ومبلغ غزواتهم إلى حمص وحماة وغيرهما، ورأى أن يجعل فيما خلا من البلدان المجاورة لهم أناسا ذوي بأس يخضدون من شوكتهم ويكبحون جماحهم؛ أوعز إلى الأميرين أن اسكنا بعشائركما البلدان الخالية من الجبل، فكان ذلك كما سيتبين تفصيله في آنه.
وما انقضت مدة حتى استوطن الأمير أرسلان في سن الفيل والأمير منذر في حصن سرحمور، وسكن بقية الأمراء في البلاد الواقعة عند حدود كسروان، فجعلوا يشنون الغارة على المردة في كسروان، ووقعت بين الفريقين مواقع عديدة، منها واقعة نهر الموت، وقيل لهذا النهر نهر الموت لكثرة القتلى من الفريقين في تلك الواقعة، ومنها واقعة أنطلياس التي تجاوز فيها عدد القتلى من الفريقين ثلاثمائة رجل، ثم انجلت عن انتصار الأمير أرسلان وأخيه؛ فانقطعت شوكة المردة عن ساحل بيروت، وأمن بذلك أبناء السبيل (أخبار الأعيان ص646).
وفي سنة 791 سطا المردة على الأمير مسعود ابن الأمير أرسلان وهو في سن الفيل، فخرج إليهم إلى ظاهر القرية وصدمهم صدمات عنيفة، فأزاحهم عن القرية بعد أن قتل منهم عددا كبيرا، وقفا أثرهم فأحرق بعضا من قرى كسروان السفلى (تاريخ الموارنة للدويهي ص281).
وفي سنة 804 / 189ه أرسل الخليفة هارون الرشيد ببغداد منشورا إلى الأمير ثابت بن نصر الخزاعي أمير الثغور الشامية ومناشير أخرى إلى سائر عمال الشام أن يحضوا الناس على الرحيل إلى لبنان تعضيدا لأمرائه على أهل العاصية (أخبار الأعيان ص650).
Página desconocida