هذا ما وقفنا عليه من أصل الطائفة المارونية وأمرائها المردة بلبنان أثبتناه مأخوذا عن كتب القوم، وسنثبت فيما يلي ما بقي من الأحوال متعلقا بهم وبغيرهم من المقدمين والمشايخ مما سيجيء في عرض الكلام على غيرهم من أهل الطوائف الأخرى في لبنان، ونسوق الكلام الآن على الطائفة الدرزية في هذا الجبل، مستندين في ذلك إلى ما أثبته العلامة الشهير المغفور له بطرس البستاني في كتابه «دائرة المعارف» وإلى ما رواه آخرون من المحققين العارفين.
إلا أنه يليق بنا قبل الدخول في هذا المبحث الجديد - مبحث الطائفة الدرزية - أن نبدي ما عن لنا من الملحوظات فيما يتعلق بالطائفة المارونية وغيرها من الطوائف النصرانية التي عمرت لبنان.
إن السواد الأعظم من أهل هذه الطوائف من السريان؛ لأننا لو نظرنا إلى أسماء القرى التي لم يرد لها ذكر في التواريخ إلا بعد ظهور النصرانية بمدة غير يسيرة لرأينا غالبها أسماء سريانية، وكانت لغة القوم كذلك في معاملاتهم وعباداتهم، وما فقدت هذه اللغة إلا بعد تغلب العربية عليها وارتفاع شأن أصحابها في البلاد، ومع ذلك فقد بقيت في العبادات. ثم حصل تغيير فيها عند بعض الطوائف ليس من شأننا أن نستوعب تفاصيله الآن، فمن أراد ذلك فعليه بالكتب التي كتبت في الشقاق الديني بين الطوائف المسيحية، وبقيت كذلك في المعاملات إلى زمن غير قديم في بعض الأماكن التي لم تتغلغل إليها غلبة اللغة السائدة لأسباب ربما كانت سياسية؛ وذلك مثل قرية بشرة وحصرون.
31
كما بقيت محفوظة حتى الآن في بعض الأماكن كجبال بلاد السريان والكلدان، وفي بعض المحلات الواقعة إلى الشمال الشرقي من دمشق؛ كمعلولا، وجب عيدين، ونجعة، وعين التينة. فإن أهل هذه القرى يتكلمون بالسريانية والعربية.
وأيضا فإن في اختلاف سحنات بعض الناس من أهل تلك الطوائف ما يجيء مصداق قول شدران في تأريخه عن دولة قسطنطين اللحياني؛ إذ قال: «في السنة الثامنة والتاسعة من ملك قسطنطين اللحياني دخل المردة إلى جبل لبنان وملكوا جميع ما هو من جبل موروس
32
إلى بيت المقدس، واستولوا أيضا على أعالي لبنان، وفي مدة وجيزة انضم إليهم كثير من الأسرى والأغراب والعبيد حتى أنافوا على ألوف عديدة.» (4) الدروز
طائفة من طوائف سورية، ولا يوجد طائفة بهذا الاسم إلا في هذه البلاد. واحد الدروز درزي، بضم الدال وتسكين الراء أو بتحريكهما بالفتح؛ وذلك فيما قيل نسبة إلى محمد بن إسماعيل الدرزي، الذي ابتدأ ببث هذه الدعوة في بر الشام، وقيل: نسبة إلى طيروز في بلاد العجم، وقيل: بل هو الطرزي أي الخياط.
وفي كلا النسبتين تحريف، أما الدروز فإنهم ينكرون الدرزي ويكفرونه ويلعنونه ويتبرءون من مذهبه وينسبون الكتب الموجودة بأيدي غيرهم إليه، وهم لا يحبون أن يلقبوا دروزا بل أحب الألقاب إليهم لقب الموحدين. يقال إن الدروز فرقة من الفرق الباطنية؛ إذ لا يخفى أنه لما ترجمت كتب الحكمة من اليونانية لعهد الخلفاء العباسيين وذاعت مبادئ الفلسفة؛ دخلت الشكوك في العقائد وكثرت البدع، ووقع الخلاف وتعددت الفرق، وكثر التأويل للكتب المنزلة؛ تطبيقا لها على مبادئ الفلاسفة، فانقسم الناس إلى قسمين: أهل الظاهر، وأهل الباطن.
Página desconocida